تصوير عباس سلمان

“عاصفة باسيل”: انتخابات الرئاسة في “المربع صفر”!

// خلود شحادة //

“طعم” الفراغ الرئاسي ليس جديداً على لبنان واللبنانيين، بل أصبح ربما مستساغاً لدى بعضهم، والبعض الآخر لا يشغل باله سوى لقمة عيشه، أما حلاوة الرئاسة ومرارة الفراغ، لا تغني ولا تسمن من جوع.

لا رئيس دولة، لا حكومة، ومجلس نيابي تحكم جلساته هرطقات واجتهادات دستورية… كل ذلك، مصحوب بأزمات فتكت باللبنانيين، مع دولار بات يتربّع على حافة الأربعين.

“أنا مش عم فكر بمصلحة التيار، عم فكر بمصلحة البلد”. جملة قالها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وهي لغة باتت محفوظة “عن ظهر الخطابات” التي يطلقها السياسيون تبريراً لكل القرارات تحت حجة “مصلحة البلد”، لكنها تعني هنا أن باسيل يتحلّل فيها من السير بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.

تأكد التحليل بالصوت: تسجيلات صوتية لباسيل، قيل إنها مسربة من إحدى الجلسات المغلقة، تُختصر بجملة “لن انتخب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية”.

لكن كلام باسيل لم يمرّ مرور الكرام، فقد قد أثار عاصفة سياسية، ولموقفه تداعيات وإعادة حسابات، وخلط أوراق رئاسية. ولهذا جاءت الردود على كلام باسيل بسقوف عالية، كما جاءت الردود على الردود لترفع من سخونة المواجهة.
مصدر سياسي مؤيد لانتخاب فرنجية اتّهم باسيل أنه “أصيب بحمى القوات، حيث بدأ يسير على مبدأ نكث الوعود”. يعود المصدر إلى العام 2016، عندما انسحب فرنجية من السباق الرئاسي لصالح عون، “على وعد رد الجميل” بعد انتهاء ولاية عون وانتخابه رئيساً للجمهورية.

يعتبر باسيل أنه لا يمكن انتخاب فرنجية “لأنه ليس بإمكانه بناء الدولة وتحقيق الإصلاح”، علماً أن الرئيس ميشال عون اعترف أنه لم يتمكّن في عهده من تحقيق الإصلاح. وهذا ما يعطي خصوم باسيل حجة السؤال “هل يحق للتيار أن يسيطر على الكرسي الرئاسي ليجرب حظه، ويحق له أن يقول جربنا بس ما خلونا، ولا يحق لغيره أن ينال فرصة ربما قد ينجح فيها؟!”.

يعود باسيل إلى التذكير بنموذج “الترويكا” التي حكمت لبنان، ويسمّي منها الرئيس نبيه بري والرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي برأيه ستتكرر مع سليمان فرنجية ـ نبيه بري ـ نجيب ميقاتي على قاعدة “بيفهموا على بعض” حسب قوله، وهو باستحضار هذه التجربة يحاول قطع الطريق على تكرارها، خصوصاً أن “الترويكا” تعتبر في ذاكرة فريق من اللبنانيين نموذجاً للمحاصصة.

لكن باسيل ذهب إلى ما يشبه التحدي المفتوح والحازم لترشيح فرنجية، عندما كرّر في التسجيل المسرّب عبارة “حتى السيد حسن ما بمون عليي”. ويبدو أن هذه العبارة قد استفزّت الشارع الشيعي، بجناحيه، خصوصاً أن “حزب الله” وفى، قبل 8 سنوات، بعهده لـ”التيار الوطني الحر”، وتحمّل وزر تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية مدة عامين ونيّف في سبيل إيصال عون للرئاسة.

ويبدو أن موقف باسيل اثار أيضاً في بيئة “حزب الله” السؤال التالي: “إذا كان باسيل يدرك جيداً أن حظوظه بالرئاسة لهذه الولاية صفر، وأن لمصلحته السياسية انتظار الولاية المقبلة، ما الذي يدفعه للإصرار على رفض فرنجية والامتناع عن تسمية أي شخصية أخرى بديلة؟”.

وعن كلام باسيل بأنه “حصل على الضمانات والاغراءات من دون طلب، وأنه لو انتخب فرنجية رئيساً لحصل على كل ما يريد من وزراء وحصص… يكشف المصدر السياسي أن “باسيل هو الذي طلب هذه الضمانات، وعدم حصوله عليها لأنه رفع السقف، حالت دون قبوله بانتخاب فرنجية”.

في المحصلة، أدلى باسيل بدلوه، وأثار عاصفة سياسية، والردود عليه أرادت إفراغ دلو باسيل من محتواه، إلا أن ذلك يعني نتيجة واحدة: انتخابات الرئاسة في المربع صفر”!