يتسلل الإنحلال والإنهيار التدريجي إلى الأجهزة العسكرية والأمنية، فالظروف المالية والاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها الشعب اللبناني منذ عامين ونيف، وضعت المؤسسات المولجة حماية البلد في مهب الريح والفقر والعوز، مع تدني قيمة رواتب الضباط والأفراد الى مستويات متدنية جداً، ما خلق حالة من اليأس والتذمر والتنمر في صفوف العسكريين من الفئات والرتب كافة.
الواقع الاجتماعي والاقتصادي العام في البلاد، دفع بقادة الأجهزة الأمنية بحسب معلومات “الجريدة” الى تكثيف الاجتماعات على مستوى القيادة المركزية وقيادات المناطق والوحدات، للبحث عن حلول واجراءت تحد من انهيار المؤسسات، وتعزيز الصمود ورفع المعنويات لتجاوز المرحلة الصعبة، من خلال تأمين مساعدات مالية ومؤن غذائية لكل عسكري وتعديل جدول الخدمة بما يخدم مصلحة العسكريين وتقليص عدد أيام وساعات الخدمة، لافساح المجال أمامهم للعمل بقطاعات أخرى لتخفيف الضغوط ومنعهم من طلب التسريح أو الفرار أو السفر الى خارج البلاد. وهذا الأمر دفع بضباط الرتب الرفيعة في مختلف الاجهزة الى اصدار التوجيهات لضباط الوحدات لمراعاة العسكريين والتخفيف من مهماتهم العكسرية.
وفي هذا السياق تشير مصادر مطلعة لـ”الجريدة” الى أنه “بعد هذه الاجراءات والتعديلات وصلت نسبة الطاقة الانتاجية في مؤسسة قوى الامن الداخلي الى 20 في المئة لجهة العديد البشري والآليات والسيارات، حيث أن المديرية لم تعد تستطع توفير كلفة وسائل النقل والمحروقات للآليات والسيارات الأمنية ووجبات الغذاء اليومي ووسائل التدفئة للعسكريين الذين يبيتون في مراكز الخدمة، اضافة الى الطبابة العسكرية والأدوية والمعاشات التقاعدية وغيرها من المخصصات”.
ويلاحظ المواطنون أن الطرقات الأساسية شبه خالية من العناصر الامنية وشرطة السير حتى في العاصمة، وقلما يشاهدون دوريات القوى الامنية في ساعات الليل المتأخرة.
ويشير عسكريون في الخدمة لـ”الجريدة” الى أنهم يعملون بمعنويات منهارة بعدما باتوا أحد ضحايا الأزمة، ويلقون اللوم على الحكومة والدولة الذين تركوهم نهباً للظروف القاسية.
ويتخوف خبراء أمنيون من تراجع انتاجية القوى الامنية في ظل وجود أنواع عدة من المخاطر: الخطر الصحي (كورونا) و(اوميكرون)، الخطر الارهابي، الخطر الاجتماعي، حيث لوحظ زيادة نسبة الجريمة الاجتماعية في الآونة الاخيرة، ما استدعى اجتماعاً عاجلاً لمجلس الامن المركزي.
وفيما تكشف مصادر “أحوال” عن أجواء تسود صفوف العسكريين بأن الدولة تركتهم لمصيرهم بموازاة توقعات مراجع أمنية رفيعة بأن البلد مقبل على مزيد من التأزم والانهيار. وحذر الخبراء من أن استمرار النزيف سيؤدي الى انهيار المنظومة الامنية ما سيدفع المواطنين الى حماية أنفسهم، واستحضار زمن الأمن الذاتي، حيث ستقوم الاحزاب بحماية بيئاتها الشعبية في مناطقها وتوفير متطلباتها، ما يعزز الانقسم الطائفي والمذهبي أو ما يعرف باللامركزية الامنية والاجتماعية والغذائية. وتكشف مصادر تجارية عن ارتفاع الطلب على السلاح الفردي في سوق الأسلحة السوداء.