//سهام رزق الله//
لأنّ القليل من المعرفة خطير، من الطبيعي أن يرفض المرء ما يجهله، ومن واجباتنا كمتخصصين بالسياسة النقدية وتجارب البلدان المدولرة، أن نقوم بإطلاع الرأي العام الرسمي والشعبي على كامل واقع الدولرة الشاملة التي فرضت نفسها، بغياب أي نظام سعر صرف بديل عن الذي سقط منذ ثلاث سنوات. اليوم أصبحت الدولرة تتخطّى 85%، وتشمل الإدخار والتداول والتسعير في مختلف القطاعات (ما عدا فقط السوبرماركت)، حتى رواتب الموظفين، لاسيما في القطاع العام، يتمّ سحبها بالدولار الأميركي وفق «صيرفة»، ولدى المصرف المركزي أصلاً غرفة مقاصة للشيكات بالدولار على غرار الولايات المتحدة الأميركية.. باختصار، تخطّينا مرحلة إبداء الرأي بالدولرة الشاملة، وبات الخيار محصوراً بين ترك السوق يفرضها بشكل فوضوي، أو تحمّل المسؤولية باعتماد الآلية العلمية لإقرارها رسمياً، وتأمين الاحتياطات المناسبة بالعملات الأجنبية، وفق دراسات كبار الباحثين من جامعة هارفرد وتجارب البلدان المماثلة، والحدّ من ازدواجية العملة…
بغية تفادي فوضى الدولرة الشاملة كأمر واقع، كما حصل في تيمور الشرقية وكوسوفو قبل عام 2000 وزيمبابوي قبل عام 2016، بما يحمل ذلك من مخاطر تفتيت الدولة والفوضى الشاملة غير القابلة للانضباط، في ظل عجز تمويل المؤسسات العامة التي تحسب موازناتها بالليرة وتسدّد نفقاتها بالدولار..
لا بدّ من الاعتراف الرسمي بالدولرة الشاملة وفق آلية علمية قابلة للتطبيق كما حصل في الأكوادور ومونتينيغرو…أو مجلس النقد الناجح كما في بلغاريا…
نعرض الآلية المفصّلة التي يقدّمها ريكاردو هوسمان (جامعة هارفرد) بغية الانتقال السليم إلى الدولرة الشاملة الرسمية:
1- تطوير إجماع وطني. السعي لأوسع نقاش عام ممكن حول الخيارات الممكنة للسياسة النقدية وسعر الصرف. يجب أن يتفق جميع أصحاب المصلحة: الحكومة ومجتمع الأعمال والقطاع المالي والمنظمات العمالية والمجتمع المدني.
2- إستكشاف إمكانية عقد معاهدة ارتباط نقدي مع الإدارة الأميركية وصندوق النقد الدولي لدعم النظام الجديد.
3- الإعلان عن برنامج دولرة شاملة مسبوق باعتماد سياسات تضمن نجاحه.
4- إقرار برنامج إصلاح سياسات ضمان الملاءة والسيولة للقطاع المالي وقدرة سوق العمل على مواجهة الصدمات الحقيقية من دون اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة أو التضخم.
5- وضع برنامج زمني، سنتان أو ثلاث سنوات، قبل بلوغ الدولرة الشاملة (وتفادياً لفرضها الفوضوي من السوق).
6- التأكّد أنّ البنك المركزي لديه دولارات كافية لتحويل القاعدة النقدية، وليس الكتلة م3 إلى الدولار Monetary Base القاعدة النقدية = الأوراق النقدية والعملات المعدنية التي يحتفظ بها الجمهور + احتياطيات المصارف كودائع نقدية تحتفظ بها في حساباتها في المصرف المركزي (علماً أنّ معدل السيولة لا يتخطّى عادة 10% من الودائع)
7- تنفيذ إصلاح النظام المصرفي قبل الدولرة، وضمان الملاءة والسيولة للنظام.
8- البحث عن بديل لمقرض الملاذ الأخير، وهو نوع من التمويل، لتجنّب تحويل المخاطر إلى دول أخرى.
9- إعتماد التغييرات اللازمة لإلغاء قواعد المفاضلة في عقود العمل، أي تقليل القيود المفروضة على خلق فرص العمل وزيادة تنقّل العمالة.
10- تحديث إجراءات الإفلاس لجعل «حل التقصير» أقل تكلفة. كيف يعمل النظام النقدي المدولر كلياً؟ تستفيد الدولة المدولرة من حصة من المعروض من العملة الأجنبية التي حلّت محل عملتها الوطنية، كما لو كانت منطقة إضافية ضمن نطاق البلد المصدّر لهذه العملة الأجنبية، في حالة الدولار الأميركي، فهي الولايات المتحدة.
لا يحتاج البلد المعتمد على الدولار إلى وجود فائض في الحساب الجاري لتجميع الدولارات؛ يمكن أن يؤدي تدفق الاستثمار الأجنبي إلى تعويض عجز الحساب الجاري. في بلد يعتمد على الدولار، تميل أسعار السلع والخدمات إلى الحفاظ على مستوى أسعارها في الولايات المتحدة. قد يختلف تضخم أسعار المستهلك بين الدولة المُدولرة والولايات المتحدة الأميركية، تمامًا كما يختلف بين منطقتين في الولايات المتحدة نفسها.
ويميل معدّل الفائدة إلى التقارب مع مستوى أسعار الفائدة الأميركية، بالإضافة إلى علاوة أو خصم، اعتمادًا على الاختلاف في المخاطر السياسية والاحتياطيات الضرورية للبنوك وغيرها. تميل المضاربة على سعر الصرف إلى الاختفاء، لأنّه لم يعد هناك عملة وطنية لتخفيض قيمتها. الدولرة عن طريق تجاوز المصرف المركزي تتضمن الدولرة الكاملة والرسمية التحويل الكامل للقاعدة النقدية (وليس كل الكتلة النقدية م3) من العملة الوطنية إلى الدولار الأميركي. ومع ذلك، فإنّ البنوك المركزية التي لديها احتياطيات كافية بالدولار لتحويل إجمالي قاعدتها النقدية إلى دولارات على الفور، قليلة. مع العلم أنّ صافي احتياطيات القاعدة النقدية بالدولار = أصول بالعملات الأجنبية – خصوم بالعملات الأجنبية. ومع ذلك، يمكن أن تكون الدولرة تدريجية، وتتطور مع توفر احتياطيات العملات الأجنبية.
وهذا يعني أنّ الدولرة يمكن أن تنقسم إلى جزءين: جزء يشمل البنك المركزي وجزء آخر يشمل باقي النظام المالي. في ما يلي مراحل دولرة الجهاز المصرفي غير البنك المركزي:
1- إزالة الرقابة على الصرف، على الأقل في ما يتعلق باستخدام الدولار. من الأفضل إلغاء ضوابط أسعار الصرف تمامًا، ولكن إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فسيكون الوكلاء على الأقل قادرين على استخدام الدولار بحرّية دون الخضوع للرقابة.
2- إعلان الدولار الأميركي عملة وطنية قانونية موازية للعملة الوطنية المبدئية للدولة، الدولرة مع جميع امتيازات العملة الوطنية. سيكون للوكلاء الاقتصاديين الحرية في إجراء مشترياتهم ودفع رواتبهم والحصول على قروض أو ودائع بالدولار أو العملة الوطنية. إذا رغبت الحكومة، يمكنها السماح للمواطنين بدفع الضرائب بالدولار بسعر الصرف الحالي بالعملة الوطنية. بمجرد تنفيذ هذه الخطوات القانونية، تهتم المبادرات الفردية بالباقي. الودائع الجديدة بالدولار التي تأتي للمصارف تضمن احتياطي الدولار وتشكّل قاعدة للاعتمادات الدولارية. وبالتالي، تزداد الدولرة في النظام المالي، حتى لو استمرت العملة الوطنية في التداول، وحتى إذا استمرت الحكومة في استخدام العملة الوطنية حصريًا. دولرة المصرف المركزي حتى لو كان من الممكن دولرة النظام المالي من خلال تجاوز البنك المركزي، لجعل الدولرة كاملة وآمنة، من الضروري أيضًا دولرة البنك المركزي. طالما بقي مبلغ من أموال البنك المركزي متداولًا، فإنّ الحكومة دائمًا لديها الوسائل لاستعادة العملة الوطنية التي أصدرها البنك المركزي على الفور.
الخطوات اللازمة لدولرة البنك المركزي هي كما يلي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بعض الاختلافات ضرورية حسب البلد، وأنّ الخطوات من 4 إلى 7 متزامنة.
1- الأساس هو تحويل القاعدة النقدية الى الدولار وليس كل الكتلة النقدية… وقد لا يكون من الضروري تحويل القاعدة النقدية بأكملها إلى دولار، إذا كانت الاحتياطيات المطلوبة من قِبل المصارف مرتفعة، فقد يكون جزء كبير من القاعدة النقدية في شكل احتياطيات يتمّ إيداعها لدى البنك المركزي، ولا تستطيع المصارف التجارية استخدامها مباشرة.. في بعض الأحيان، يتمّ تحويل جزء كبير أو إجمالي الاحتياطيات غير المدفوعة مع البنك المركزي إلى سندات خزينة تضمن لها الفائدة. ومع ذلك، فمن الحكمة تحويل جزء من الاحتياطيات إلى دولارات بدلاً من سندات الخزينة، لأنّه إذا لم يتمّ تدويل النظام المصرفي بغياب دور البنك المركزي «كمقرض الملاذ الأخير» فقد تكون هناك حاجة للاحتفاظ بالمزيد من الاحتياطيات، بعد طرح الاحتياطيات التي سيتمّ تحويلها إلى سندات خزينة، تصبح حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار أقل بكثير.
2- يمكن تحقيق الدولرة الشاملة والرسمية بسهولة أكبر عندما تساوي أصول البنك المركزي بالعملات الأجنبية، أو تتجاوز بالفعل حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار، كما هو مذكور في الخطوة 1. إذا كانت أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية أقل من القاعدة النقدية، يجب أن يكون إجمالي صافي الأصول، الأجنبية والمحلية، مساويًا أو أكبر من حصة القاعدة النقدية المراد تحويلها إلى الدولار. في هذه الحالة، يمكن للبنك المركزي أن يبيع أصوله المحلية مقابل الدولار، إلى جانب أصوله الأجنبية. ومن المعلوم أنّ معظم المصارف المركزية التي تبلغ أزمتها النقدية درجة التخلّي عن عملتها الوطنية، تكون غير قادرة على بيع ديونها بسهولة إلى الدولة أو المؤسسات المملوكة منها، خصوصاً أنّ العديد من حكومات هذه البلدان تكون سبق وشجّعت المصارف المركزية على الاكتتاب في سندات الخزينة، وخصوصاً سندات الخزينة غير الجذابة والمطلوبة في السوق، كما حصل في لبنان بعد أن تراجع الإقبال على شراء سنداتها، حيث عمد بين «العصا والجزرة» إلى دفع الجهاز المصرفي على الاكتتاب بها… في حالة صعوبة بيع الأصول المحلية للمصرف المركزي على الفور، يمكن تحقيق الدولرة على مرحلتين. تتمثل المرحلة الأولى في التأمين الفوري على الحكومة، عن طريق إصدار سندات خزينة بالدولار، أو في حال كان وضع البلد لا يسمح، لأنّه سبق وأعلن وقف سداد ديونه بالدولار مسبقًا، يمكن أن يلجأ للاقتراض بالدولار مباشرة من صندوق النقد الدولي أو الحكومة الأميركية بعد التفاوض الرسمي لمعالجة أزمة نظام الصرف فيه. تتكون المرحلة الثانية من دولرة القاعدة النقدية عبر مراحل عدة، حيث يتمّ تجميع احتياطيات النقد الأجنبي. ليست هناك حاجة للانتظار حتى تتساوى أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية مع حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار. تشرح الخطوة 6 هذه الملاحظة بمزيد من التفصيل.
3- في حالة وجود رقابة على سعر الصرف، يجب إلغاؤها والسماح بتحرير سعر صرف العملة لفترة معلنة مسبقًا لا تتجاوز 30 يومًا. لأنّه خلال فترة نظام ربط سعر الصرف السابق لم يكن سعر الصرف يعكس واقع السوق. من هنا تأتي الحاجة إلى السماح بتعويم العملة الوطنية بحرية لمدة لا تتجاوز 30 يومًا دون تدخّلات من البنك المركزي.
4- إعلان سعر صرف ثابت أمام الدولار، والإعلان عنه فوراً. يجب أن يكون سعر الصرف هذا أقرب ما يمكن من سعر الصرف الملاحظ خلال فترة التعويم المشار إليها في المرحلة 3، وعلى وجه الخصوص، أقرب ما يمكن من سعر الصرف المحقق في نهاية هذه الفترة. وتظهر التجارب أنّ الاقتصاد سيوفر بسرعة تعديلًا لسعر الصرف يكون صحيحًا تقريبًا. سيُطلب من البنك المركزي استبدال الدولار بالعملة الوطنية أو العكس بالسعر الثابت. سيتمّ الإعلان عن الدولار كعملة وطنية، مع جميع حقوقها. وجميع المدفوعات التي ينبغي أن تتمّ بالعملة الوطنية يمكن أن تتمّ بالدولار الأميركي بسعر الصرف المحدّد أخيرًا.
5- الإعلان فورًا عن أنّ جميع الأصول والخصوم بالعملة الوطنية (الودائع المصرفية والقروض المصرفية وما إلى ذلك) تصبح أصولًا والتزامات بالدولار الأميركي بسعر الصرف الجديد. الإعلان عن فترة انتقالية لا تتجاوز 90 يومًا لاستبدال عروض الأسعار بالدولار الأميركي.
6- تجميد القاعدة النقدية الوطنية واستبدالها بالدولار وفق توفر الاحتياطيات بالدولار. إذا كانت احتياطيات البنك المركزي كافية، فإنّ دولرة القاعدة النقدية ستكون فورية، وإلاّ فإنّ الدولرة ستتمّ على مراحل. يجوز للبنك المركزي أن يشرع في بيع جزء من أصوله أو كلها، ويجوز له بيع أصوله بالعملة الوطنية التي يتلقاها شهريًا. كما يمكن للدولة الاستدانة بالدولارلتحقيق عملية الانتقال. وتجدر الإشارة إلى أنّ تحويل الودائع والائتمانات في القطاع المصرفي من العملة الوطنية إلى الدولار لا ينبغي أن يفرض أي عمولة على العملاء. حتى بعد أن يجمع البنك المركزي احتياطيات كافية بالدولار لسحب العملة الوطنية المتداولة، يجب على النظام المصرفي الاستمرار في قبول العملة وفقًا لسعر الصرف الثابت لمدة عام على الأقل، لإعطاء الوقت لتكيّف الاقتصاد، وليقوم الوكلاء باستبدال جميع أرصدتهم النقدية التي بحوزتهم بالدولار الأميركي.
7- استخدام الأوراق النقدية المحلية: بعد إتاحة الوقت الكافي للاعتماد اللازم، يجب اتخاذ الترتيبات لاستبدال الأوراق النقدية بالعملة الوطنية بأوراق نقدية من الدولارات. إذا بدأت الدولرة على عجل، وقد يكون المعروض من الأوراق النقدية بالدولار غير كافٍ، ويبدو أنّ سعر الصرف ليس هو سعر الصرف الذي تكون فيه الأوراق النقدية مرتبطة بالدولار، فقد يتمّ تخفيض قيمة الأوراق النقدية وحدها إلى مبلغ معادل يسهّل التقسيمات العشرية للدولار.
8- إنهاء الأنشطة المالية للمصرف المركزي، وإعادة تكليف باقي مهامه حسب احتياجاته. لم يعد البنك المركزي مؤسسة مالية، إذا استمرت بعض الأنشطة، فمن المحتمل أن تكون إحصائية أو تنظيمية بحتة. يبقى القول، إنّ الاقرار بالدولرة الشاملة لم يكن يومًا خيارًا مرغوبًا لأي بلد، بل يأتي على طريقة «مكره أخاك لا بطل» كأمر واقع يفرض نفسه، بعد افتقاد الثقة والشفافية والاصلاحات الحقيقية وتعثّر بقية الخيارات… في حال ثمة خيارات أخرى لا تزال متاحة، لا بدّ من فتح النقاش العلمي حولها.. إما الفوضى وإما الحوار العلمي المسؤول للآليات الرسمية… * بروفسورة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الاقتصادية
بغية تفادي فوضى الدولرة الشاملة كأمر واقع، كما حصل في تيمور الشرقية وكوسوفو قبل عام 2000 وزيمبابوي قبل عام 2016، بما يحمل ذلك من مخاطر تفتيت الدولة والفوضى الشاملة غير القابلة للانضباط، في ظل عجز تمويل المؤسسات العامة التي تحسب موازناتها بالليرة وتسدّد نفقاتها بالدولار.. لا بدّ من الاعتراف الرسمي بالدولرة الشاملة وفق آلية علمية قابلة للتطبيق كما حصل في الأكوادور ومونتينيغرو…أو مجلس النقد الناجح كما في بلغاريا…
نعرض الآلية المفصّلة التي يقدّمها ريكاردو هوسمان (جامعة هارفرد) بغية الانتقال السليم إلى الدولرة الشاملة الرسمية:
1- تطوير إجماع وطني. السعي لأوسع نقاش عام ممكن حول الخيارات الممكنة للسياسة النقدية وسعر الصرف. يجب أن يتفق جميع أصحاب المصلحة: الحكومة ومجتمع الأعمال والقطاع المالي والمنظمات العمالية والمجتمع المدني.
2- إستكشاف إمكانية عقد معاهدة ارتباط نقدي مع الإدارة الأميركية وصندوق النقد الدولي لدعم النظام الجديد.
3- الإعلان عن برنامج دولرة شاملة مسبوق باعتماد سياسات تضمن نجاحه.
4- إقرار برنامج إصلاح سياسات ضمان الملاءة والسيولة للقطاع المالي وقدرة سوق العمل على مواجهة الصدمات الحقيقية من دون اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة أو التضخم.
5- وضع برنامج زمني، سنتان أو ثلاث سنوات، قبل بلوغ الدولرة الشاملة (وتفادياً لفرضها الفوضوي من السوق).
6- التأكّد أنّ البنك المركزي لديه دولارات كافية لتحويل القاعدة النقدية، وليس الكتلة م3 إلى الدولار Monetary Base
القاعدة النقدية = الأوراق النقدية والعملات المعدنية التي يحتفظ بها الجمهور + احتياطيات المصارف كودائع نقدية تحتفظ بها في حساباتها في المصرف المركزي (علماً أنّ معدل السيولة لا يتخطّى عادة 10% من الودائع)
7- تنفيذ إصلاح النظام المصرفي قبل الدولرة، وضمان الملاءة والسيولة للنظام.
8- البحث عن بديل لمقرض الملاذ الأخير، وهو نوع من التمويل، لتجنّب تحويل المخاطر إلى دول أخرى.
9- إعتماد التغييرات اللازمة لإلغاء قواعد المفاضلة في عقود العمل، أي تقليل القيود المفروضة على خلق فرص العمل وزيادة تنقّل العمالة.
10- تحديث إجراءات الإفلاس لجعل “حل التقصير” أقل تكلفة.
كيف يعمل النظام النقدي المدولر كلياً؟
تستفيد الدولة المدولرة من حصة من المعروض من العملة الأجنبية التي حلّت محل عملتها الوطنية، كما لو كانت منطقة إضافية ضمن نطاق البلد المصدّر لهذه العملة الأجنبية، في حالة الدولار الأميركي، فهي الولايات المتحدة. لا يحتاج البلد المعتمد على الدولار إلى وجود فائض في الحساب الجاري لتجميع الدولارات؛ يمكن أن يؤدي تدفق الاستثمار الأجنبي إلى تعويض عجز الحساب الجاري.
في بلد يعتمد على الدولار، تميل أسعار السلع والخدمات إلى الحفاظ على مستوى أسعارها في الولايات المتحدة. قد يختلف تضخم أسعار المستهلك بين الدولة المُدولرة والولايات المتحدة الأميركية، تمامًا كما يختلف بين منطقتين في الولايات المتحدة نفسها. ويميل معدّل الفائدة إلى التقارب مع مستوى أسعار الفائدة الأميركية، بالإضافة إلى علاوة أو خصم، اعتمادًا على الاختلاف في المخاطر السياسية والاحتياطيات الضرورية للبنوك وغيرها. تميل المضاربة على سعر الصرف إلى الاختفاء، لأنّه لم يعد هناك عملة وطنية لتخفيض قيمتها.
الدولرة عن طريق تجاوز المصرف المركزي
تتضمن الدولرة الكاملة والرسمية التحويل الكامل للقاعدة النقدية (وليس كل الكتلة النقدية م3) من العملة الوطنية إلى الدولار الأميركي. ومع ذلك، فإنّ البنوك المركزية التي لديها احتياطيات كافية بالدولار لتحويل إجمالي قاعدتها النقدية إلى دولارات على الفور، قليلة. مع العلم أنّ صافي احتياطيات القاعدة النقدية بالدولار = أصول بالعملات الأجنبية – خصوم بالعملات الأجنبية.
ومع ذلك، يمكن أن تكون الدولرة تدريجية، وتتطور مع توفر احتياطيات العملات الأجنبية.
وهذا يعني أنّ الدولرة يمكن أن تنقسم إلى جزءين: جزء يشمل البنك المركزي وجزء آخر يشمل باقي النظام المالي.
في ما يلي مراحل دولرة الجهاز المصرفي غير البنك المركزي:
1- إزالة الرقابة على الصرف، على الأقل في ما يتعلق باستخدام الدولار. من الأفضل إلغاء ضوابط أسعار الصرف تمامًا، ولكن إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فسيكون الوكلاء على الأقل قادرين على استخدام الدولار بحرّية دون الخضوع للرقابة.
2- إعلان الدولار الأميركي عملة وطنية قانونية موازية للعملة الوطنية المبدئية للدولة، الدولرة مع جميع امتيازات العملة الوطنية. سيكون للوكلاء الاقتصاديين الحرية في إجراء مشترياتهم ودفع رواتبهم والحصول على قروض أو ودائع بالدولار أو العملة الوطنية. إذا رغبت الحكومة، يمكنها السماح للمواطنين بدفع الضرائب بالدولار بسعر الصرف الحالي بالعملة الوطنية.
بمجرد تنفيذ هذه الخطوات القانونية، تهتم المبادرات الفردية بالباقي. الودائع الجديدة بالدولار التي تأتي للمصارف تضمن احتياطي الدولار وتشكّل قاعدة للاعتمادات الدولارية. وبالتالي، تزداد الدولرة في النظام المالي، حتى لو استمرت العملة الوطنية في التداول، وحتى إذا استمرت الحكومة في استخدام العملة الوطنية حصريًا.
دولرة المصرف المركزي
حتى لو كان من الممكن دولرة النظام المالي من خلال تجاوز البنك المركزي، لجعل الدولرة كاملة وآمنة، من الضروري أيضًا دولرة البنك المركزي. طالما بقي مبلغ من أموال البنك المركزي متداولًا، فإنّ الحكومة دائمًا لديها الوسائل لاستعادة العملة الوطنية التي أصدرها البنك المركزي على الفور.
الخطوات اللازمة لدولرة البنك المركزي هي كما يلي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بعض الاختلافات ضرورية حسب البلد، وأنّ الخطوات من 4 إلى 7 متزامنة.
1- الأساس هو تحويل القاعدة النقدية الى الدولار وليس كل الكتلة النقدية… وقد لا يكون من الضروري تحويل القاعدة النقدية بأكملها إلى دولار، إذا كانت الاحتياطيات المطلوبة من قِبل المصارف مرتفعة، فقد يكون جزء كبير من القاعدة النقدية في شكل احتياطيات يتمّ إيداعها لدى البنك المركزي، ولا تستطيع المصارف التجارية استخدامها مباشرة..
في بعض الأحيان، يتمّ تحويل جزء كبير أو إجمالي الاحتياطيات غير المدفوعة مع البنك المركزي إلى سندات خزينة تضمن لها الفائدة. ومع ذلك، فمن الحكمة تحويل جزء من الاحتياطيات إلى دولارات بدلاً من سندات الخزينة، لأنّه إذا لم يتمّ تدويل النظام المصرفي بغياب دور البنك المركزي “كمقرض الملاذ الأخير” فقد تكون هناك حاجة للاحتفاظ بالمزيد من الاحتياطيات، بعد طرح الاحتياطيات التي سيتمّ تحويلها إلى سندات خزينة، تصبح حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار أقل بكثير.
2- يمكن تحقيق الدولرة الشاملة والرسمية بسهولة أكبر عندما تساوي أصول البنك المركزي بالعملات الأجنبية، أو تتجاوز بالفعل حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار، كما هو مذكور في الخطوة 1.
إذا كانت أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية أقل من القاعدة النقدية، يجب أن يكون إجمالي صافي الأصول، الأجنبية والمحلية، مساويًا أو أكبر من حصة القاعدة النقدية المراد تحويلها إلى الدولار. في هذه الحالة، يمكن للبنك المركزي أن يبيع أصوله المحلية مقابل الدولار، إلى جانب أصوله الأجنبية. ومن المعلوم أنّ معظم المصارف المركزية التي تبلغ أزمتها النقدية درجة التخلّي عن عملتها الوطنية، تكون غير قادرة على بيع ديونها بسهولة إلى الدولة أو المؤسسات المملوكة منها، خصوصاً أنّ العديد من حكومات هذه البلدان تكون سبق وشجّعت المصارف المركزية على الاكتتاب في سندات الخزينة، وخصوصاً سندات الخزينة غير الجذابة والمطلوبة في السوق، كما حصل في لبنان بعد أن تراجع الإقبال على شراء سنداتها، حيث عمد بين “العصا والجزرة” إلى دفع الجهاز المصرفي على الاكتتاب بها…
في حالة صعوبة بيع الأصول المحلية للمصرف المركزي على الفور، يمكن تحقيق الدولرة على مرحلتين.
تتمثل المرحلة الأولى في التأمين الفوري على الحكومة، عن طريق إصدار سندات خزينة بالدولار، أو في حال كان وضع البلد لا يسمح، لأنّه سبق وأعلن وقف سداد ديونه بالدولار مسبقًا، يمكن أن يلجأ للاقتراض بالدولار مباشرة من صندوق النقد الدولي أو الحكومة الأميركية بعد التفاوض الرسمي لمعالجة أزمة نظام الصرف فيه.
تتكون المرحلة الثانية من دولرة القاعدة النقدية عبر مراحل عدة، حيث يتمّ تجميع احتياطيات النقد الأجنبي. ليست هناك حاجة للانتظار حتى تتساوى أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية مع حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار. تشرح الخطوة 6 هذه الملاحظة بمزيد من التفصيل.
3- في حالة وجود رقابة على سعر الصرف، يجب إلغاؤها والسماح بتحرير سعر صرف العملة لفترة معلنة مسبقًا لا تتجاوز 30 يومًا. لأنّه خلال فترة نظام ربط سعر الصرف السابق لم يكن سعر الصرف يعكس واقع السوق. من هنا تأتي الحاجة إلى السماح بتعويم العملة الوطنية بحرية لمدة لا تتجاوز 30 يومًا دون تدخّلات من البنك المركزي.
4- إعلان سعر صرف ثابت أمام الدولار، والإعلان عنه فوراً. يجب أن يكون سعر الصرف هذا أقرب ما يمكن من سعر الصرف الملاحظ خلال فترة التعويم المشار إليها في المرحلة 3، وعلى وجه الخصوص، أقرب ما يمكن من سعر الصرف المحقق في نهاية هذه الفترة. وتظهر التجارب أنّ الاقتصاد سيوفر بسرعة تعديلًا لسعر الصرف يكون صحيحًا تقريبًا. سيُطلب من البنك المركزي استبدال الدولار بالعملة الوطنية أو العكس بالسعر الثابت. سيتمّ الإعلان عن الدولار كعملة وطنية، مع جميع حقوقها. وجميع المدفوعات التي ينبغي أن تتمّ بالعملة الوطنية يمكن أن تتمّ بالدولار الأميركي بسعر الصرف المحدّد أخيرًا.
5- الإعلان فورًا عن أنّ جميع الأصول والخصوم بالعملة الوطنية (الودائع المصرفية والقروض المصرفية وما إلى ذلك) تصبح أصولًا والتزامات بالدولار الأميركي بسعر الصرف الجديد. الإعلان عن فترة انتقالية لا تتجاوز 90 يومًا لاستبدال عروض الأسعار بالدولار الأميركي.
6- تجميد القاعدة النقدية الوطنية واستبدالها بالدولار وفق توفر الاحتياطيات بالدولار. إذا كانت احتياطيات البنك المركزي كافية، فإنّ دولرة القاعدة النقدية ستكون فورية، وإلاّ فإنّ الدولرة ستتمّ على مراحل. يجوز للبنك المركزي أن يشرع في بيع جزء من أصوله أو كلها، ويجوز له بيع أصوله بالعملة الوطنية التي يتلقاها شهريًا. كما يمكن للدولة الاستدانة بالدولارلتحقيق عملية الانتقال. وتجدر الإشارة إلى أنّ تحويل الودائع والائتمانات في القطاع المصرفي من العملة الوطنية إلى الدولار لا ينبغي أن يفرض أي عمولة على العملاء. حتى بعد أن يجمع البنك المركزي احتياطيات كافية بالدولار لسحب العملة الوطنية المتداولة، يجب على النظام المصرفي الاستمرار في قبول العملة وفقًا لسعر الصرف الثابت لمدة عام على الأقل، لإعطاء الوقت لتكيّف الاقتصاد، وليقوم الوكلاء باستبدال جميع أرصدتهم النقدية التي بحوزتهم بالدولار الأميركي.
7- استخدام الأوراق النقدية المحلية: بعد إتاحة الوقت الكافي للاعتماد اللازم، يجب اتخاذ الترتيبات لاستبدال الأوراق النقدية بالعملة الوطنية بأوراق نقدية من الدولارات. إذا بدأت الدولرة على عجل، وقد يكون المعروض من الأوراق النقدية بالدولار غير كافٍ، ويبدو أنّ سعر الصرف ليس هو سعر الصرف الذي تكون فيه الأوراق النقدية مرتبطة بالدولار، فقد يتمّ تخفيض قيمة الأوراق النقدية وحدها إلى مبلغ معادل يسهّل التقسيمات العشرية للدولار.
8- إنهاء الأنشطة المالية للمصرف المركزي، وإعادة تكليف باقي مهامه حسب احتياجاته. لم يعد البنك المركزي مؤسسة مالية، إذا استمرت بعض الأنشطة، فمن المحتمل أن تكون إحصائية أو تنظيمية بحتة.
يبقى القول، إنّ الاقرار بالدولرة الشاملة لم يكن يومًا خيارًا مرغوبًا لأي بلد، بل يأتي على طريقة “مكره أخاك لا بطل” كأمر واقع يفرض نفسه، بعد افتقاد الثقة والشفافية والاصلاحات الحقيقية وتعثّر بقية الخيارات… في حال ثمة خيارات أخرى لا تزال متاحة، لا بدّ من فتح النقاش العلمي حولها.. إما الفوضى وإما الحوار العلمي المسؤول للآليات الرسمية…