/ جورج علم /
قد يكون من المبكّر الحكم على الدور الذي يضطلع به جبران باسيل ما بين سوريا وقطر، لكن المحاولة جديرة بالإهتمام، في زمن التحولات الكبرى التي ترخي بثقلها على دول الشرق الأوسط قاطبة.
كانت الأنظار شاخصة نحو دمشق، وما يُعدّ من ترتيبات لزيارته إلى عاصمة الأمويين، فإذا ببساط ريحه يهبط في الدوحة، كمحطة أساسيّة قبل الوصول إلى العاصمة السوريّة.
في ملفّه العديد من العناوين، والكثير من القضايا المتصلة بالغاز والنفط، والمشروع الإقتصادي المشرقي، والتحالفات الجديدة التي تقتضيها لعبة المصالح. وما يبنى عليه راهناً، هو إستكمال ما بدأه مع الأميركييّن من جهة، والقطرييّن من جهة أخرى، لإنضاج التفهم حول ترسيم الحدود البحريّة.
نجح، وهو المهندس “الحربوق”، في بناء جسر من التواصل مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين ، قائم على الصراحة، والثقة. ولا يعود الفضل له وحده في ذلك، ولكنه كان من ضمن فريق العمل في ورشة الترسيم. كان واحداً من المهندسين الذين يملكون رؤية، وبعد نظر. وكان واحداً من الذين ساهموا في تشجيع القطرييّن على المشاركة، والإنضمام إلى شبكة الإتصالات، والمساعي الدبلوماسيّة التي أدت للوصول الى الخواتيم المعروفة.
ولم تتم الإستجارة بالشقيق القطري من موقع الضعف، والحاجة، بل من موقع المصلحة، إنطلاقاً من الدور الريادي الذي تضطلع به قطر في ترشيد إمدادات الغاز نحو الدول المستهلكة، وفقاً للتوازنات التي فرضتها الحرب الأوكرانيّة، وسلاح الغاز الروسي الذي دخل أرض المعركة مع الغرب الأميركي ـ الأوروبي من الباب الواسع.
وأدرك باسيل منذ اللحظة الأولى، موقع قطر المتقدم مع إيران، تفاهماً وتنسيقاً، ورعاية مصالح، ودورها الإيجابي المنسّق مع المملكة العربيّة السعوديّة، وتحديداً مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ودورها المنفتح سياسيّاً وإقتصاديّاً مع إسرائيل، وعلاقتها المميزة والممتازة مع الولايات المتحدة. هذه العناصر مجتمعة جعلت من الدوحة لاعباً ماهراً على مسرح الشرق الأوسط، بفضل دبلوماسيّة متمكّنة.
إنتهى تفاهم ترسيم الحدود المائيّة مع العدو الإسرائيلي، إلى تكريس الدوحة كطرف في المعادلة، ولكن ماذا بعد؟
هناك الكثير الذي يُعمل لإنجازه:
- قطر شريك أساسي في تنفيذ اتفاق التفاهم لجهة إستخراج الغاز والنفط من المربّع اللبناني في الناقورة، بالتنسيق مع شركة “توتال”، والشركات الأخرى المستثمرة.
- قطر شريك أساسي في استخراج ثروة لبنان من مياهه الإقليميّة، نظراً لخبرتها، ومكانتها الدوليّة، وتجربتها الواسعة في هذا المضمار.
- قطر شريك أساسي في إعادة تكوين السلطة، لأن الطاقم الرسمي الذي سيعتمد لإعادة بناء الدولة، وتدبير شؤون البلاد والعباد، يفترض به أن يكون ملتزماً بتنفيذ اتفاق الترسيم، وفقاً لآليات العمل المتفاهم حولها ما بين لبنان، والولايات المتحدة، و”إسرائيل”، وقطر .
إلاّ أن ما يعمل عليه راهناً، يتناول كيفيّة إيجاد حلّ للعقدة القطريّة ـ السوريّة.
مرّت العلاقة ما بين دمشق والدوحة بمرحلة بالغة التعقيد، نظراً للدور الذي لعبته قطر في الأزمة السوريّة، حيث دعمت فصائل رئيسيّة في المعارضة ضد النظام، وهذا ما رتّب تباعداً جديّاً حول الكثير من القضايا المطروحة على مستوى العلاقات الثنائيّة، وفي الإقليم.
اليوم هناك معادلة جديدة:
- قطر معنيّة باستخراج الغاز من الحقول اللبنانية، ولا يمكنها أن تلعب هذا الدور، وبنجاح، إلاّ إذا توافر لها مناخ مؤاتٍ، من مؤشراته إنجاز ترسيم الحدود المائيّة ما بين لبنان وسوريا، لتفادي أي إشكاليّة عندما يبدأ الحفر والإستثمار. ثم العمل على ردم الهوّة ما بين الدوحة ودمشق، وفق ما تقتضي توازنات المصالح المشتركة.
- باسيل معنيّ بالدور الإستثماري القطري في لبنان، إستناداً إلى تفاهمات الكولسات التي أفضت إلى قيام قطر بدور محوري في مفاوضات ترسيم الحدود. وأيضاً إستناداً إلى مصالح ثنائية مشتركة، كأن تلعب الدبلوماسيّة القطريّة دوراً فعّالاً مع واشنطن بهدف رفع العقوبات الأميركيّة عن باسيل، أو كأن تدعم الأخير، وتساعده على تحقيق طموحاته السياسيّة.
- باسيل معني بالعمل على ردم الهوّة ما بين الدوحة، ودمشق، نظراً لما في ذلك من مكاسب سياسيّة، واقتصاديّة، ومعنوية إذا ما نجح في تقريب المسافات، وتبديد الأجواء المكفهّرة، واستبدالها بأخرى مشرقة وواعدة.
- وسوريا لها مصلحة في ذلك، خصوصاً مع اتساع دائرة الإنفتاح الخليجي على دمشق، وحاجة الأخيرة الى إعادة ترميم جسور التواصل والتعاون مع دول مجلس التعاون.
هل ينجح؟
إنه يحاول، معتمداً على رصيدين: شبكة واسعة من العلاقات العربيّة ـ الدوليّة أسس لها عندما كان وزيراً للخارجيّة. وتحالفات إقليميّة، تفرضها مشاريع مستقبليّة لها البعد الإستراتيجي إقتصاديّاً، سياسيّاً، أمنيّاً، إجتماعيّاً، وثقافيّاً على دول وشعوب المنطقة.
خصومه في الداخل، يستخفّون، ويهزأون، ويرمونه بألف حجر… ولكن مَنْ منهم بلا خطيئة؟!