/محمد حمية/
لم تختلف الجلسة الخامسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، كثيراً عن سابقاتها. معادلة “التنافس السلبي” بين الورقة البيضاء والمرشح النائب ميشال معوض، تراوح مكانها، وتتحكم بنتائج كل الجلسات، فيما تتأرجح بورصة الأسماء الأخرى بحسب رياح الحسابات وضرورات اللعبة الانتخابية والسياسية.
لكن الجديد في الجلسة الخامسة، هو ارتفاع طفيف بعدد أصوات النائب معوض وتراجع عدّاد الورقة البيضاء، وإعلان الدكتور عصام خليفة ترشحه علناً خلال مؤتمر صحافي في مجلس النواب بعد نهاية الجلسة، بعدما رفض سابقاً ترشحه رغم تصويت بعض قوى التغيير له.
ومن وقائع الجلسة الخامسة، يمكن استخلاص الاستنتاجات السياسية التالية:
* لم تستطع الكتل الداعمة للمرشح معوض، كـ”القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”الاشتراكي” و”تجدد”، تأمين أكثرية الـ65 صوتاً له على مدى 5 جلسات، فكيف بنصاب الـ86 صوتاً؟! ما يعني عملياً سقوط مرشحها، وإن حاولت الإيحاء بإمكانية رفع عدد أصوات معوض في الجلسة المقبلة إلى 65. أما الهدف فهو استخدام ترشيح معوض كوسيلة لحرقه وملء الوقت الضائع، وإحراج ثنائي “أمل” ـ “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، واستدراجهم لطرح مرشحيهم الجديين، كرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل والوزير سليمان فرنجية وآخرين، لإحراقهم جميعاً على اعتبار أنهم مرشحي تحدي وبالتالي طرح مرشحين وسطيين.
* حسم رئيس المجلس النيابي نبيه بري “المعادلة الدستورية” التي تحكم عملية انتخاب الرئيس، والتي ترعاها المادة 49 من الدستور، بأن انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب الثلثين في الدورة الأولى نصاباً وانتخاباً، وفي الدورة الثانية يتطلب الثلثين نصاباً وأكثرية 65 صوتاً انتخاباً، وذلك رداً على محاولات “الكتائب” وقوى التغيير بمجاراة “قواتية” الإطاحة بهذه المعادلة واستنباط اجتهادات “غب الطلب” السياسي وغير موجودة في الدستور، من قبيل الانتخاب بالـ 65 نائباً في الدورة الثانية بلا نصاب الثلثين. كلام بري قطع الطريق على انتخاب معوض في الدورة الأولى وإن توفّر نصاب الثلثين.
* عطفاً على ما سبق، فإن الخطير هو محاولة هذه القوى التلاعب على المادة 49 بتفسيرات معينة، والتي تؤدي الى تكريس انتخاب الرئيس بـ44 صوتاً أو بأكثرية 65 صوتاً في الدورة الأولى، بمعزل عن نصاب الانعقاد، وإن حصلت ستتحول الى سابقة تضرب الميثاقية والتوازن والشراكة الوطنية..
لكن نسيت هذه القوى ـ أو تناست ـ أن المادة 49 سيف ذو حدين، فاستناداً لهذا “الاجتهاد الدستوري التغييري”، بات بإمكان القوى النيابية الإسلامية انتخاب رئيس الجمهورية “المسيحي” بأكثرية 65 صوتاً زائد صوت مسيحي واحد، وبذلك تستطيع كتل حركة “أمل” و”حزب الله” و”الاشتراكي” وكتلة نواب الشمال، وبعض النواب المسيحيين المنضويين ضمن “الكتل المسلمة”، انتخاب رئيس بـ65 صوتاً إن اتفقت على مرشح، من دون الكتل المسيحية الثلاثة (التيار والقوات والكتائب)، وهذا ينطبق على انتخاب فرنجية على سبيل المثال لا الحصر.. فهل تقبل كتلتا “القوات” و”الكتائب” انتخاب فرنجية من قبل المسلمين وأصوات مسيحية خجولة؟ كما يمكن لـ”التيار الوطني الحر” وثنائي “أمل” و”حزب الله” وتحالفاتهم وأحد كتلتي “الاشتراكي” أو النواب السنة، تأمين أكثرية 65 صوتاً ان اتفقوا على مرشح موحد وانتخابه رئيساً.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن انتخاب 14 رئيس للجمهورية، وآخرهم الرئيس ميشال عون (مع بعض الاستثناءات)، تم بأكثرية 65 نائباً في الدورة الثانية وبنصاب الثلثين، ولم يُثر أي خلاف حول المادة 49، التي تنص على التالي: “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”.
* تكريس انقسام كتلة قوى التغيير إلى 3 أو 4 اتجاهات من خلال توزع أصواتها على أسماء عدة.
* تماسك حلف “الورقة البيضاء”، أي “حزب الله” و”أمل” و”التيار الوطني الحر” رغم التباين بين “التيار” و”أمل” على ترشيح سليمان فرنجية.
* تمسك “حزب الله” بمواصفاته للمرشح بأن يكون داعماً للمقاومة ولا يطعنها بظهرها بالحد الأدنى، وأن لا يكون تابعاً لأي سفارة خارجية، وهذا يسقط الكثير من المرشحين.
* استمرار رفض “التيار الوطني الحر” للوزير السابق سليمان فرنجية وتمنّعه عن ترشيح أي اسم آخر.
أكدت الجلسة الخامسة أننا لازلنا في مرحلة حرق المرشحين، ولم ندخل مرحلة التفاوض الجدي وعرض أسماء المرشحين على طاولة المفاوضة والتصفيات النهائية، ضمن تسوية سياسية داخلية إقليمية ودولية لم تنضج ظروفها بعد، كما أكدت بأنه لا يمكن انتخاب رئيس تحدي ولا بالفرض، من دون توافق.