لبنان

خريطة طريق “لبنانيون من أجل الكيان” نحو “نظام جديد”

/ مرسال الترس /

إزاء التدهور المقلق الذي طرأ على آلية النظام في لبنان، والذي بُني على نقاء وتحوّل إلى زغل، عكفت نخبة من المفكرين والباحثين المسيحيين في الشأنين السياسي والدستوري، تحت اسم “لبنانيون من أجل الكيان” وتضم قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين، منذ بضع سنوات، على بلورة مشروع سياسي يكون مقبولاً من جميع المكونات اللبنانية، حمل توصيف “الوثيقة الوطنية”، لعله يساهم في نقل الصيغة اللبنانية إلى بر الأمان بعد ثلاثة عقود من التشويه المفعم بالفساد والمحاصصة الضيقة.

هذه المجموعة، التي اتخذت من مؤسسة “لابورا” و”إتحاد أورا”، مظلة لانطلاقتها، استندت إلى وثيقتين لبلورة فكرتها: الأولى ميثاق 1943. أما الثانية فهي وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، على خلفية أن الممارسة منذ 1992 كانت سيئة من قبل السياسيين الذين استغلوا الثغرات في الدستور لعدم تطبيقه بشكل جيد، وغلّبوا البعد الطوائفي في المشاركة على البعد الوطني، واستغلوا الاشكاليات والثغرات في الدستور لتشويه المفاهيم التي بُني عليها النظام، ففسروا نصوصاً دستورية على خلفيات مصلحية وفئوية. أدّى ذلك إلى تعثر أداء المؤسسات الدستورية وشللها أحيانا، وتباطؤ في تشكيل الحكومات، وشغور في سدة رئاسة الجمهورية، وتمادٍ في سوء ممارسة السلطة… وترافق كل ذلك مع هدر المال العام، ونهب موارد الدولة، وترهل اداراتها وتحويلها إلى إقطاعات يعشّعش فيها الفساد الذي تجذر وتمأسس، فابتلع مؤسسات الدولة، وأخرجها عن المسار الذي رسمه الدستور.

وقد ارتكز الهدف على الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف، من خلال 6 محاور، مع آلية قانونية لتطبيقها. وهذه المحاور هي:

  1. محور الاصلاحات الدستورية
  2. مجلس الشيوخ
  3. الدولة المدنية
  4. اللامركزية الموسعة
  5. الحياد
  6. قانون للانتخابات النيابية والاحزاب السياسية

ولأن لبنان كيان مهدّد دوماً، كونه على خط زلازل لا تستكين، ومكوّن من مجموعة أقليّات طائفيّة لجأت إليه بسبب الاضطهادات التي عانت منها ولا تزال، ورغم نجاح اللبنانيين في حقبات وفشلوا في أخرى ولاسيما أثناء الحروب والصراعات، تم الارتكاز على ثلاث مسلمات أساسية لصياغة “وثيقة وطنية” تتضمن الآتي:

أولاً، لبنان دولة واحدة موحدة أرضًا وشعبًا ومؤسسات.

ثانيًا، لبنان جمهورية ديمقراطيّة مؤسسة على الحرية وعلى المشاركة وعلى احترام التعدّدية.

ثالثًا، لبنان دولة قائمة على العيش معًا عبر مواثيق تاريخية اجتمعت في ميثاق 1943 وأكد الطائف عليها، وأهمها المشاركة في المناصفة بين جناحي لبنان، والسيادة المطلقة للدولة، تعبيرًا عن التمسك بالعيش معًا والالتزام بالدستور وبالقوانين اللبنانيّة.

في الاصلاحات الدستوريّة، يتطلب الأمر إدخال تفسيرات جديدة، أو تحديدًا جديدًا لبعض الصلاحيات، حتى تعمل الدولة بتناغم واضح. وأن يكون مجلس الشيوخ قوة بناء لا قوة هدم، للوصول إلى دولة مدنية من منطلق علماني وليس من منطلق فيدرالية الطوائف. وإدخال اللامركزيّة الموسّعة في صلب الدستور اللبناني على قاعدة أن “لبنان دولة واحدة موحدة لامركزية”. واستعادة سياسة الحياد التي انتهجها لبنان منذ الاستقلال، والتي باتت واجبًا وطنيًا. واعتبار أن الوطن لا يقوم على مصالح فئة حاكمة، أو مسيطرة، بل على إرادة جميع أبنائه.

الهدف من هذه الطروحات “عقلنة” النظام الدستوري اللبناني، انطلاقاً من الحرص على العيش المشترك، والوحدة الوطنية، والالتزام بالتقيّد بالأسس التي بُني عليها الميثاق والطائف والدستور.

بنظر المجموعة، التي عبّر باسمها أحد كادراتها الأستاذ الجامعي الدكتور ايليا إيليا، أنه “نشأ نظام موازٍ للنظام الذي قولبه الدستور محكوماً بالتوافق بين مصالح القابضين على السلطة باسم طوائفهم، وهو نظام محاصصة تحكّم بالدولة والطوائف والمواطنين، فأوصلهم إلى أسوأ حال. والخروج من المأزق الذي نحن فيه، يقتضي العودة الى المسار الذي رسمه الدستور”.

ومن هذا المنطلق، حملت المجموعة أفكارها وجالت بها على كل الاحزاب السياسية، وكل المقامات الدينية، وكبار المسؤولين، وعدد كبير السفارات المعنية بالوضع في لبنان، ولم تجد سوى التجاوب مع الطروحات التي تحاكي تطلعات اللبنانيين.

فهل ستبقى هذه الطروحات ضمن تمنيات الذين رسموا لها خريطة الطريق.. أم أنها ستُترجم لمصلحة نظام لبناني جديد يلبي طموحات كل اللبنانيين؟