/ خلود شحادة /
لا يبدو أن ترسيم الحدود البحرية جنوباً، قد فك الخناق عن لبنان، فالحصار المضروب على البلد يشتد أكثر فأكثر في سياق المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة الأميركية وايران.
كل الوعود المتعلقة بالإفراج عن الغاز المصري والكهرباء الأردنية، تبخرت.
كل الاغراءات التي أغدقت بشأن تمويل البنك الدولي لاستيراد الفيول، تبعثرت.
أما طرف الحلاوة في اللسان عن التعامل مع الهبة الإيرانية، فقد انقلب علقماً وقطعاً للطريق بالغارات على قوافل الفيول الإيراني للكهرباء اللبنانية.
بات الانفراج المالي من قبيل التمنيات التي لم تصل الى طرف خيطها، حيث ما يزال الدولار الأميركي يرتفع في السوق السوداء من دون رادع، تحت رقابة، وربما اشراف، مصرف لبنان، وبرعاية أميركية.
كل هذا الكلام، قد يكون من باب التحامل والاتهام السياسي، لكن ما عبرت عنه مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، قبل يومين، كشف النوايا الأميركية المبيتة تجاه لبنان.
لم يعد الأمر مجرد تحليل أو استنتاج، هو خريطة طريق أميركية صريحة وكاملة لانهيار لبنان.
لم تتحقق النتائج التي تريدها أميركا في المرحلة الأولى من هذه الخطة، وتريد اليوم تكرار المغامرة لتفكيك البلد والدولة، وخلق الفوضى في الشارع، تحت عناوين وشعارات مطلبية لأزمات حياتية واجتماعية ومعيشية تتفاقم بفعل الحصار الأميركي على لبنان.
في هذا السياق يأتي تصريح باربرا ليف، الذي يبشّر اللبنانيين بمرحلة فوضى “خطيرة وغير مسبوقة”، تتضمن تحلّل الدولة بالكامل، وعجز الجيش والقوى الأمنية والعسكرية، وتفكك المؤسسات الرسمية، وتعطل المؤسسات الدستورية.
كل ذلك سيكون مصحوباً بفوضى في الشارع، تعتبر ليف أن الوضع الآن غير كافٍ لحصولها. لذا، وبحسب سياق حديثها، ستسعى الولايات المتحدة الى تضييق الخناق أكثر على لبنان عبر الحصار الذي بات علنياً، ليزيد الضغط على الشعب، والدفع في اتجاه الفوضى الشاملة.
لم تنفعل القوى السياسية.
لم ينتفض النواب دفاعاً عن كرامتهم عندما بشرتهم المسؤولة الأميركية بتوضيب حقائبهم والهرب الى أوروبا.
لم ينصعق السياسيون من الصورة السوداوية التي تريد رسمها المسؤولة الأميركية، لمستقبل لبنان واستقراره، لا بل لوجوده وكيانه.
بشرت بسيناريوهات كارثية، أعظم مما يحصل اليوم، لكن أحداً من اللبنانيين وقواهم السياسية لم يحرك ساكناً، ربما لأنهم يديرون “الآذان الطرشاء”!
كانت كلمة سر أميركية في أزمة لبنان الحالية، وتحولت اليوم الى أمر عمليات يُنذر بشرٍّ مستطير.
لبنان اذاً، مقبل على تكرار مشاهد قطع الطرقات والفوضى في الشارع، في سياق طروحات أميركية ترمي الى “إعادة بناء لبنان من تحت الرماد، متحرّراً من اللعنة التي يمثّلها حزب الله له”، بحسب قول ليف.
السيناريو الأميركي بدأت تظهر معالمه، فـ “الهجرة الجماعية” التي تحدثت عنها ليف، يشهدها لبنان بكثرة مؤخراً، ليس فقط عبر بوابات مطار العاصمة، إنّما أيضاً عبر الهجرة غير الشرعية، وزوارق الموت.
ومما يزيد الشبهة بتهجير اللبنانيين، الاعتراض العلني من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، على إعادة النازحين السوريين، لئلا تخفف هذه العودة من ثقل الأزمة الخانقة، بالتوازي مع تفاقم معاناتهم على أبواب الشتاء في ظل غياب وسائل التدفئة والانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي.
الضغط الأميركي “الفاجر” بورقة الكهرباء، دفعها لمنع لبنان من استيراد الكهرباء الأردنية والغاز المصري، تحت حجة “قانون قيصر”. وكذلك منعته من الاستفادة من الفيول الإيراني بذريعة العقوبات الأميركية على ايران، وليس آخرها الغارة التي شنتها القوات الأميركية على الشاحنات الإيرانية المحملة بالفيول.