/ جورج علم /
ماذا بعد احتفال ذكرى مرور 33 عاماً على الطائف في “الأونيسكو”؟
يفترض أن يشكّل الإحتفال الأساس الذي يبنى عليه، كدعوة اللبنانييّن إلى لقاء تشاوري في الرياض ـ كما كتب السفير السعودي السابق الدكتور علي عوّاض عسيري ـ أو خريطة طريق مكتملة المواصفات، المحليّة والإقليميّة والدوليّة، أو تسوية ما، تنتشل “الزير من البير”، من دون “ارتطام كبير”!
وإذا لم يؤد لقاء الأونيسكو إلى شيء من هذا، سيبقى استعراضاً عقيماً لا سليل بعده، ولا خير يرجى منه، وهذا ما يسيء إلى مكانة المنظّمين، والداعمين.
وبانتظار الخطوة التالية، لا بدّ من التوقف عند المظاهر، وما يجول في الخواطر.
أولاً: إن غالبيّة المحتشدين والمصفّقين، خاضوا تجربة الحكم، وبعضهم لا يزال، فلماذا لم يطبّقوا الطائف؟
منذ خروج الجيش السوري من لبنان في 30 نيسان 2005، والمجال متاح، والبلاد خارج الوصاية، فلماذا لم يطبّق؟ واللافت أن الذين احتشدوا حول السفير وليد البخاري، إنما تمظهروا بمظهر الضحيّة، وهم الخصم والحكم.
ثانياً: إن المشهد كان ناقصاً. هناك فريق لبناني لم يكن حاضراً، ولا ممثّلا. هل هو تصرّف متعمّد، وعن سابق تصوّر وتصميم، أم نتيجة سوء تخطيط، وتنظيم؟
أيّاً يكن الجواب، هناك نقص قد حصل. وكان الطائف قد استحدث ليغطّي النقص، ويسدّ الفجوات. وعندما يتخلّف عن أداء هذه المهمّة، يفقد جوهره، والوظيفة التي انتدب لها.
ثالثاً: انتهى اللقاء من دون توصيات. من دون بيان ختامي. من دون خريطة طريق واضحة المعالم. وهذا ما أضفى المظهر الاستعراضي ـ الفولكلوري داخل القاعة، وعلى المسرح. حشد لبّى، مدفوعاً بشعور غرضيّ مصلحي، لأن الداعي هو السفير السعودي، ولأن للسعوديّة المكانة، والضمانة.. والخزانة!
وإذا كان الهدف من اللقاء تكريس المشهديّة التي انتهى إليها، فهذا يعني أن الأمور تسير بخطى واثقة نحو الأدهى، لأن المطلوب هو الجمع لا التفرقة، وترميم الأوصال المقطّعة، لا الإمعان في شرذمتها. والدخول من الباب الواسع، لملء الفراغ بالحوار، والإنفتاح على الجميع، والاستثمار في الجوامع المشتركة، لا بالقواسم التفتيتيّة!
والغائبون، أو المغيّبون، لهم حضورهم في مجرى الأحداث، والتطورات. ولهم آراؤهم في الاستحقاق الرئاسي، وأصحاب ثقل في التوازنات الداخليّة. وأي تجاهل يعني المزيد من التحدّي، واستثارة العصبيات، والابتعاد عن كل ما يجمع، ويوفّق.
وكانت الورقة البيضاء الأكثر حضوراً في مجلس النواب. دورات أربع، ولم ينتخب الرئيس، فهل من سائل يسأل عن الدوافع والخلفيات؟
أغلب الظن أن السفير البخاري يعرفها جيداً، ومعه معظم من لبّى دعوته، وشارك في لقاء الأونيسكو حول الطائف. إلا أن بكركي، التي كانت ممثلة بخيرة أساقفتها المطران بولس مطر، تصرّ على أن الأولوية اليوم هي لانتخاب رئيس، وتخشى من التطورات الدوليّة والإقليميّة غير المتطابقة والمواصفات المحليّة المطلوبة لإنجاز الإستحقاق.
المطلوب توافق لإنتخاب رئيس، فيما السائد هو الفراغ ونبش الأحقاد الدفينة في دفاتر الماضي، منذ ما قبل الطائف، مروراً بمراحل الـ33 عاماً من عمره – هكذا فعل وليد جنبلاط – وصولاً الى ما هو عليه الواقع اليوم.
وتخشى بكركي من زلزال مدمّر. وما يحاك خطير. مجلس نواب يفتقر إلى أكثريّة فاعلة. حوار مغيّب يسدّ فراغه النكد السياسي، والخطاب الكيدي. وعمود الوطن الفقري مفكك الحلقات، يفتقر إلى الهامات الجامعة، والشخصيات العصامية الرافضة أن تكون حمّالة طرابيش. يضاف إلى ذلك غموض داكن مصدره الدول الشقيقة والصديقة. حركة من دون بركة، ونصائح تنضح بمصالح، وشروط لو كانت ممكنة، ومتوافرة محليّاً، لما كان لبنان بحاجة إلى أصحابها. والمقلق أن موجة التعاطف الدولي التي شهد لبنان فصولها عند إبرام تفاهم ترسيم حدود النفط والغاز في الناقورة، قد خبا وهجها عند الحديث عن الشغور والفراغ الرئاسي، واستبدل الحماس الدولي بتقارير إعلاميّة فيها ما يكفي من الثرثرة، لكن من دون مفعول رجعي.
ويبقى كعك العباس حاضراً على مائدة بكركي، زيارة السفير الإيراني إلى الصرح، أزعجت كثيرين. صحيح أنها لم تكسف الهالة التي وهّجت لقاء الأونيسكو، ولكن الصحيح أيضاً أن حسابات جاريّة، ومساع ناشطة على خط بكركي ـ الضاحية، لتلافي الأدهى، إنطلاقا من الآتي:
ـ بكركي مؤمنة بأن الطائف لجميع اللبنانييّن لا لفئة، أو مجموعة منهم. و”حزب الله” جزء أساسي من المكونات اللبنانية لا يمكن عزله، ولا يمكن تطبيق الطائف بمعزل عنه.
ـ بكركي مؤمنة بالمعادلة التالية: “لا يمكن لحزب الله أن يفرض رئيساً على اللبنانييّن، كما لا يمكن إنتخاب رئيس من دون التواصل والتفاهم مع حزب الله”، والورقة البيضاء تنطوي على رسائل معبّرة، لا تحتاج الى منجّم مغربي لحل طلاسيمها.
ـ بكركي مؤمنة بوجوب سدّ الفراغ بسرعة قبل بلوغ المهاوي السحيقة، والارتطامات القاتلة لروح لبنان، وفلسفة وجوده. ويبدو أن “حزب الله”، ربما من منطلق حساباته، يجد أن مصلحته تلتقي في كثير من جوانبها مع بكركي في ما تطالب به، وتسعى إليه. فهل يكون كعك العبّاس الجامع المشترك لمواجهة الاستحقاقات، على أن يكون للطائف زمانه وأوانه بعد سدّ الفراغ الرئاسي؟!