/محمد حمية/
مرة جديدة يقف المجلس النيابي عاجزاً أمام تجاوز عقدة مشروع قانون “الكابيتال كونترول” بعدما أخفقت اللجان النيابية المشتركة في جلستها أمس بالتوصل الى صيغة موحدة للمشروع لإحالته الى الهيئة العامة لإقراره.
لا يُحسد المجلس النيابي على موقعه وموقفه، فهو عالقٌ بين مطرقة صندوق النقد الدولي الذي يدفع باتجاه إنجاز حزمة قوانين إصلاحية لاستكمال التفاوض مع الصندوق، وبين سندان “حزب المصارف” الذي يقاتل بشراسة لإجهاض أي مشروع أو نواة قانون أو إصلاح أو خطة لا تتوافق وتتلاءم مع مصالحه. أما الحكومة فليست سوى أداة تنفيذية لمطالب وشروط صندوق النقد بغض النظر عن مدى مواءمتها للأوضاع الاقتصادية والمالية والظروف المحيطة بها.
أما مصرف لبنان الشريك الأساسي في مسلسل الانهيار المتتالي والمتدرج في البلد منذ ثلاث سنوات، فيعمل بكتمان شديد بالتكافل والتضامن مع “حزب المصارف” وامتداداته في المجلس والأحزاب السياسية منذ عامين على إطفاء خسائره وخسائر المصارف المقدرة بعشرات مليارات الدولارات، وذلك عبر “أرانب” حاكم المصرف رياض سلامة بتعاميم غب الطلب وقرارات وإجراءات متعددة لقضم ودائع اللبنانيين في اطار مخطط تحميل المودعين القسم الأكبر من الخسائر الأمر الذي يرفضه صندوق النقد.
لا يمكن تحميل المصارف وحدها مسؤولية الأزمة رغم أنها أساءت ائتمان وضمان الودائع المحفوظة لديها، من خلال استثمارات خاطئة وبنسبة مخاطر عالية، ترافقت مع سياسة نقدية لمصرف لبنان أنهكت الاقتصاد بتغطية من حكومات متعاقبة، وبالتالي لا يمكن تحميل قطاع المصارف لوحده الخسائر انطلاقاً من استعادة دوره في تفعيل النشاط الاستثماري والتجاري وبالتالي تفعيل الدورة الاقتصادية، لكن لا يمكن في الوقت نفسه تحميل المودعين خسائر غير مسؤولين عنها، علماً ان المصارف يمكنها إعادة تكوين رأسمالها في اطار خطة إعادة هيكلة القطاع، وذلك عبر استعادة عشرات المليارات التي هربتها الى الخارج قبل وخلال أزمة 17 تشرين 2019 وفق ما تكشف مصادر مسؤولة في حكومات سابقة والتي تؤكد أن تحالف حزب المصارف ولجنة المال أجهض خطة التعافي التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب.
في المقابل تتهم المصارف ولجنة المال والموازنة الحكومة وصندوق النقد باستهداف المصارف بخطة التعافي وبالتالي ضرب ما تبقى من قدرة صمود للقطاع والإجهاز على الودائع.
مع الإشارة الى أن المصارف لا تزال تقوم بعمليات تحويل للأموال الى الخارج لنافذين في الدولة وبطرق استنسابية وغير عادلة بحسب ما تؤكد مصادر نيابية مشاركة في جلسات اللجان المشتركة أمس، في وقت تحتجز ودائع الناس لديها وتعطيهم بـ”القطارة” وفق التعاميم المجحفة على قاعدة “القليل خير من الحرمان”، ولا تحرك ساكناً أمام اقبال المودعين الى المصارف لاستعادة أموالهم بقوة التهديد والسلاح، وتتخذ من هذا الأمر ذريعة لإقفال أبوابها وعرقلة معاملات المواطنين لتستكمل سياسة الاستنسابية في منح الودائع وتحويلها للخارج لنافذين دون غيرهم وتساهم برفع سعر صرف الدولار ومنصة صيرفة لتحقيق أرباح اضافية!.
وتكمن نقطة الخلاف الجوهرية حول مشروع “الكابيتال كونترول” في أن المصارف تربط موافقتها عليه بخطة التعافي المالي التي توزع الخسائر المالية على جهات ثلاث: الدولة والمصارف والبنك المركزي، وتريد إدخال فئة المودعين شريكاً رابعاً بالخسار، وتقليص حجم الخسائر التي ستتحملها المصارف وتحديد آليات وآجال تسديدها، علاوة على التحكم بالتحويلات المالية الى الخارج والأموال التي تحول من الخارج الى لبنان (الفريش دولار)، وأيضاً الخلاف على مرجعية حل أي نزاع حالي ومستقبلي بين المصارف والمودعين. فهل هو القضاء العادي أم المالي أم المجلس المركزي لمصرف لبنان أم هيئة الرقابة على المصارف أو لجنة التحقيق الخاصة في المركزي؟.
أما الخطير في مشروع القانون الذي قد يفجره في الهيئة العامة فهو دس “حزب المصارف” بنداً يتضمن منع المودعين من مقاضاة المصارف مع مفعول رجعي يقضي بإسقاط كافة الدعاوى المرفوعة ضدها في الخارج والداخل. ما يمنحها صك براءة مؤبد وبالتالي تشريع احتجازها للودائع الناس إلى أبد الآبدين.