/غاصب المختار/
حدّدت السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا، خلال ندوة صحافية أمس، “المواصفات التي نراها في رئيس الجمهورية بأنها: أولاً، وضع مصلحة لبنان أولاً قبل أي مصلحة شخصية أو حزبية أو طائفية. وثانياً، يمكن ايجاد شخص يتمتع بمؤهلات حل المشكلات ومعالجة التحديات وبناء التحالفات التي يحتاج البلد الى بنائها في الداخل من ضمن الآليات الحكومية ومع المجتمع الدولي. مرشح مؤهل للتعاطي مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وثالثاً أن يكون غير ملوث بالفساد”.
لكن للأسف، معظم هذه المواصفات غير متوافرة لدينا في لبنان في شخص واحد. فقلة من المرشحين يضع مصلحة لبنان وشعبه أولاً، والدليل أن أحداً منهم لم يبذل جهداً حقيقياً ولم يمارس ضغطاً سياسياً وشعبياً، ولم يتخذ أي إجراء، لإنقاذ شعب لبنان مما وقع فيه من أزمات معيشية وصحية ومالية واجتماعية. بل سجل مواقف لا تقدم ولا تؤخر وأدخل البلاد معه في مزايدات تزيد التوتر ولا تقدم حلولاً.
وقلة من المرشحين أو الشخصيات السياسية، مؤهل لحل المشكلات القائمة وبناء التحالفات المجردّة عن أي أهداف ومصالح، في ظل تركيبة البلد السياسية وتوازناتها المعقدة والخلافات المستحكمة بين الاطراف، بحيث لا يستطيع فرض أي تنازل على أي شخصية. وقلة منهم لا تدخل في حسابات المصالح الحزبية والسياسية والطائفية الضيقة.
اما غير الملوّث بالفساد، فهذا ينبغي البحث عنه “بالسراج والفتيلة” كما يقول المثل الشعبي اللبناني، ولعل مترجمي السفارة يمكن أن يشرحوا للسفيرة شيا معنى هذا المثل.
أما جوهر الموضوع الذي كان يجب أن تتطرق له السفيرة شيا، فهو السبب الحقيقي للأزمات التي عاشها لبنان منذ التطبيق المشوّه والملتبس لدستور اتفاق الطائف وميثاقه الوطني، وسبب عدم تنفيذ أهم بنود الدستور وهو إلغاء الطائفية السياسية، لبناء الدولة المدنية الديموقراطية، التي تعتمد تكافؤ الفرص والمساءلة والمحاسبة لمن أساء الامانة وأدخل لبنان وشعبه، في هذه الجريمة الموصوفة بحق الكيان والناس أجمعين، وتحقيق استقلالية فعلية للقضاء عن الحاكمين بأمرهم، وتوفير آليات صحيحة ومجدية وقابلة للتطبيق لتصحيح النظام السياسي أو تغييره، وفي تداول السلطة، بحيث لا يبقى أمراء الطوائف والحروب متحكمين برقاب العباد.
المسألة الثانية هي أن الإدارات الاميركية، والغربية عموماً وبعض الادارات العربية المتعاقبة، ساهمت في وصول السياسيين المشكو منهم الى السلطة، وفي حمايتهم وتبنيهم في كل إجراءاتهم، لأسباب تخصّ كل دولة من هذه الدول، ومنها مصالح سياسية آنية حسب الظرف الذي كانت تمر بها المنطقة ولبنان من صراعات اقليمية ودولية.
المسألة الثالثة المهمة ايضاً، هي ضرورة رفع اليد الخارجية عن لبنان ليتدبر أموره بنفسه، وإلّا ما معنى “الحياد” و”النأي بالنفس” و”عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، وكل الدول والسفارات تفرض على أكثر السياسيين القابعين تحت أجنحتها، أجندات معينة وشروطاً ومطالب من الصعب تلبية معظمها، لأنها تسبب مزيداً من الازمات والتوترات السياسية؟!