خاص “الجريدة”: مؤتمر “تشاوري” في الرياض لـ”تنقيح” الطائف؟

/ جورج علم /

يتحدث سفير المملكة العربيّة السعوديّة السابق لدى لبنان، الدكتور علي بن عواض عسيري (2009 ـ 2016) عن مؤتمر تستضيفه الرياض “لتعديل بنود في الطائف أو توضيحها”.

قدّم العرض في مقال حمل توقيعه، ونشرته صحيفة “الشرق الأوسط” صبيحة 31 تشرين الأول المنصرم، اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال عون.

يشغل السفير عسيري حاليّاً منصباً في مجلس إدارة المعهد الدولي للدراسات الإيرانيّة “رصانة” في الرياض. وهو صاحب تجربة ناجحة في لبنان، وترك بصمات بيضاء على العلاقات السعوديّة ـ اللبنانيّة.

تحدث في مقاله عن “لقاء تشاوري، يقتصر على الرؤساء الثلاثة (الجمهوريّة، والبرلمان، والحكومة)، ومعهم الرؤساء السابقون، ورؤساء المؤسسات الأمنيّة، ورؤساء الطوائف، ونخبة من المرجعيات القانونية، والدستوريّة. لقاء تشاوري يحسم أمر الاجتهادات غير المنزّهة عن الغرض، ويُؤخذ بما قد ينتهي إليه التشاور لجهة تعديل في بنود الطائف، أو توضيح لها، أو حتى التوصية بإصدار مادة أو أكثر لم يلحظها في حينه إتفاق الطائف”.

ويضيف: “إن وقفة من التأمل، ومحاسبة النفس، أكثر من ضروريّة لكي لا تتهاوى أعمدة الهيكل على الجميع. وما وصفة اللقاء التشاوري الذي أشرنا إليه، تستضيفه الرياض بتشجيع وتيسير أوجه الخلاف من دول مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربيّة، والأمم المتحدة، إلاّ أن خير الوصفات تضيف المزيد من الفاعليّة لوصفة الطائف، وبذلك تقوى المناعة في جسم الوطن المعتل بين حين وآخر من جائحة هوى الجار البعيد على حساب الشقيق القريب، وعلى الله الإتكال”.

ينتهي “العرض” هنا، لتبدأ الأسئلة الاستيضاحيّة: هل ما يعبّر عنه عسيري مجرد وجهة نظر شخصيّة، أو محاولة “جس نبض” جديّة نابعة من مصادر القرار في المملكة، لاكتشاف ردود الفعل الأولوية؟ وهل ستشمل الدعوة، في حال حسم الأمر واتخذ القرار، “حزب الله”، أم ستقتصر على الفعاليات التي حددها في المقال؟ وهل من جدول أعمال.. من وثيقة.. من خلاصة يصار إلى حصر النقاش ببنودها، أم ستترك الحريّة لعرض مختلف الملاحظات، ووجهات النظر؟

تشير المعلومات المتوافرة إلى أن ما عرضه السفير عسيري في مقاله لا يعبّر عن وجهة نظر شخصيّة، بقدر ما هي رسميّة، وموحى بها من دوائر القرار، للفت الأنظار، وإطلاق سهم مضيء في الفضاء السياسي اللبناني المظلم، وانتظار ردود الفعل، ودرسها، وتقييمها، قبل الإقدام على أي خطوة جديّة.

وتتحدث مرجعيات دبلوماسيّة وازنة في بيروت عن “أن شيئاً يحضّر للبنان، وإن ما أشار إليه عسيري في مقاله، قد يكون خلاصة تشاور، وتخطيط، ما بين السعوديّة من جهة، والدول المعنيّة بوضع لبنان، من الولايات المتحدة، الى الإتحاد الأوروبي، وفرنسا، والفاتيكان، والأمم المتحدة، وجامعة الدول العربيّة، وعواصم أخرى صاحبة نفوذ وتأثير، والدليل أن ما عبّر عنه السفير السابق جاء متزامنا مع بيانات ثلاثة: الأول صادر عن جامعة الدول العربيّة. والثاني عن المفوضيّة العليا للإتحاد الأوروبي. والثالث عن وزارة الخارجيّة الفرنسيّة. وكلّها تحثّ على إنتخاب رئيس للجمهوريّة اليوم قبل الغد!

لكن يبدو أن  قرار تحديد ساعة الصفر للإنطلاق نحو التنفيذ، لم يتخذ بعد، وهو بحاجة إلى مزيد من التنسيق، وإلى مناخ إقليمي ـ محلّي مؤات للإنطلاق، وأولى المؤشرات ستكون مع وصول شخصيّة سعوديّة رسميّة إلى بيروت لتوجيه الدعوات ومقابلة أصحابها، أو تكليف السفير وليد البخاري الإضطلاع بهذه المهمّة.

وتنصح هذه المرجعيات بعدم الدخول في تحليلات خاطئة، واستنتاجات متسرّعة في ما يتعلّق بـ”حزب الله”، لأن الأمور لم تنضج بعد، والاتصالات والمشاورات مستمرة بين عواصم الدول المهتمة على أرفع المستويات للتفاهم على العناوين، والتفاصيل، ودرس كل الاحتمالات، ودوزنة الخطوات قبل الانطلاق نحو مسافة الألف ميل.

وفي رأي هذه المرجعيات، أن الحديث عن “لقاء تشاوري تستضيفه الرياض” يجب أن يصدر رسميّاً عن الرياض نفسها، وهذا لم يحصل لغاية الآن لسببين جوهرييّن:

الأول، إن الفرصة لا تزال متاحة أمام اللبنانييّن لانتخاب رئيس. وأمام رئيس المجلس النيابي نبيه بريّ، لمعرفة ما يعتزم القيام به من حراك، ومشاورات، وربما حوار يفضي إلى تخطّي العقبات، ومعالجة الثغرات التي تحول دون انتخاب رئيس يتوافق حوله الجميع، أو الغالبيّة، ولا يشكّل إستفزازاً لأحد.

الثاني، إن ترسيم خريطة الطريق السعوديّة ـ العربيّة ـ الدوليّة ـ الأمميّة تجاه لبنان، لم يستكمل بعد، وهو بحاجة إلى المزيد من الوقت، والمزيد من التشاور، والمزيد من توفير الأجواء، والمناخات المؤاتية، كي لا يأتي المولود مسخاً!