/ علاء حسن /
انتهت ولاية الرئيس ميشال عون، ولم يتم تشكيل الحكومة العتيدة التي تعهد أطراف الخلاف فيها للحلفاء والمؤثرين، بتشكيلها قبل نهاية العهد ولو بساعات، على أن عدم تشكيل الحكومة جاء نتيجة تعنت طرفي النزاع، وخصوصاً “التيار الوطني الحر” الذي أراد حصة تجعله شريكاً أساسياً في صنع القرار في مرحلة الفراغ الرئاسي، وصولاً إلى صنع توازنات توصل مرشحه “الطبيعي” إلى قصر بعبدا.
على أنه وقد وصل الأمر إلى ما وصل إليه، فقد أصبحنا أمام واقع يتمثل في وجود حكومة عليها أن تمارس تصريف الأعمال بحدودها الضيقة، وإذا كان هناك من ضربة وجهها الرئيس عون إلى الرئيس ميقاتي من خلال توقيعه على مرسوم استقالة الحكومة، فإنه سعى من خلال هذا التوقيع إلى إنهاء عملية التكليف وليس تصريف الأعمال الذي كانت ستمارسه بتوقيع أو بدونه، بحكم كونها مستقيلة من الأساس. لكن المشكلة أنه لا يوجد نص دستوري يتحدث عن سحب التكليف إذا ما انتخب رئيس جديد للجمهورية، فضلاً عن عدم إمكانية الاستمرار في التكليف، في الوقت الذي تعتبر أي حكومة قائمة وقت انتخاب رئيس الجمهورية، مستقيلة حكماً.
وبالعودة إلى مرحلة الفراغ الرئاسي، فإنه وبحسب التقديرات، يعتبر “التيار الوطني الحر” نفسه قد كسب جولة من خلال توقيع الرئيس على مرسوم الاستقالة، والحفاوة الشعبية التي رافقته من قصر بعبدا إلى الرابية، وهي ما تدفع الوزير جبران باسيل إلى تفضيل لعب دور المعارض في هذه المرحلة، خصوصاً لكونه لم يعد يثق بعدد من الوزراء المحسوبين عليه. وقد تبلورت فكرة لدى التيار أن المعارضة في هذه المرحلة مع وجود الزخم الشعبي، ستجعل باسيل مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية، وذلك بعدما أعلن الأخير رفضه لعدد من الشخصيات المطروحة لتولي هذا المنصب، خصوصاً إذا ما ترافق ذلك مع شعار حقوق المسيحيين في ظل خروج هذا الطرف من لعبة القرار في ظل الفراغ القائم، الأمر الذي سيعقّد المشهد الحالي أكثر، ويضع الجميع أمام حسابات دقيقة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انسداد كامل في الملف الرئاسي والحكومي على حد سواء، وهو ما يمكن أن يستجلب تدخلاً خارجياً مباشراً، وقد يؤسس لعقد اجتماعي جديد يطوي مرحلة الطائف التي دامت أكثر من ثلاثة عقود.
من جهة أخرى يدرك الرئيس ميقاتي حساسية المرحلة، وهو لن يدعو إلى انعقاد الحكومة إلا عند الضرورة القصوى، ولكنه سيستمر في تصريف الأعمال مستغلاً الوضع، لإظهار “التيار الوطني الحر” معرقلاً للعجلة الحكومية في مرحلة دقيقة تؤثر على لقمة عيش اللبنانيين.
في هذا الجو المعقّد يجد “حزب الله” نفسه ملزماً بمسك العصا من الوسط. فمن ناحية لا يريد الحزب تمييع انتصار الترسيم وإضاعة فرصة الاستثمار الاقتصادي لإنعاش البلد، ومن جهة ثانية يقف في موقف لا يحسد عليه بسبب تعنت الحلفاء وشراسة الخصوم وترصّد الأعداء. وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أن القرار الحالي هو استمرار الوزارات التي يمسك بها، بعملها على أتم وجه، والدفع باتجاه عدم انعقاد جلسات للحكومة منعاً للإحراج مع الناس في حال امتنع وزراؤه عن حضور الجلسات، وكذلك الأمر منعاً للإحراج مع حليفه المسيحي في حال قرر حضور الجلسات.
على أنه، ورغم كل الجهود التي بذلها الحزب في الأشهر الأخيرة من أجل لم شمل الأفرقاء وخوض معركة الرئاسة بشكل موحد، لكنّ حسابات البعض الآنية نقلت المناوشات إلى داخل حدود الحلفاء، الأمر الذي سيعقّد الموقف ويزيد من تشدد كل من الحليف المسيحي و”حليف الحليف” في أي مقاربة رئاسية قادمة.
أخيراً ولئن كانت الظروف الداخلية والخارجية الحالية تسمح بهامش من المناورة المرحلية لكسب النقاط التكتيكية، لكن من غير المعلوم أن تبقى موازين القوى وفق التصور الحالي، وهي مسألة قد تعيد ترتيب أولويات كل جهة وفق رؤيته الذاتية، فحزب الله الذي يدرك أهمية معركة مكافحة الفساد في الداخل، لا يمكن له الخروج عن ضابطتين أساسيتين وهما: السلم الأهلي (وهو يعني المهادنة في بعض الملفات) وحماية المقاومة، بالتالي فإن أي رئيس قادم سيعطل البلد لعدد من السنوات، أو يكون غير مأمون الجانب في ما يتعلق بالمقاومة، لن يحظى بفرصة الدخول إلى قصر بعبدا، وهذا ما يجب على الحليف قبل الخصم إدراكه جدياً، خاصة إذا حصل نوع من الوصاية الخارجية على هذا الملف.