* لم أتخذ بعد قرار توقيع مرسوم استقالة الحكومة
* فشلنا بالإصلاح لأن الفساد كان أقوى
* ليحكم التاريخ على عهدي
* هؤلاء حاربوني.. وهؤلاء شتموني.. لكني لم أجرح أحداً
عندما يلتفت ميشال عون خلفه، لحظة مغادرته مكتبه في قصر بعبدا، إلى الباب الخارجي، ليتوجّه نحو الرابية، ستندفع كمية كبيرة من الأحاسيس دفعة واحدة، وستكون كفيلة بتوليد طاقة كبيرة من الإحباط…لولا أن يستدركه الجمهور الذي يحتشد خارج القصر الرئاسي بهتافات التأييد والدعم وتجديد “البيعة” لزعامته تحت شعار “معك مكملين”.
ليست المرة الأولى التي يسكن فيها ميشال عون في قصر بعبدا، لكن 6 سنوات كفيلة بأن يسكن القصرُ في وجدانه.
مع ذلك، لا يبدو ميشال عون مستسلماً لليأس. ربما يشعر بـ”الهزيمة”، أو ربما يستشعر بأن الآتي عليه وهو خارج الحكم لن يكون أقل صعوبة من الأحمال التي أثقلت سنوات حكمه.
يعترف ببساطة “أنا خارج من الحكم بلا أصدقاء في السياسة”… هو يعرف جيداً أن ذلك يعني ما يشبه العزلة السياسية. لكنه مع ذلك، لا يستسلم، ولا توحي نبرة صوته أنه سينكفئ تاركاً الساحة.
ربما كل ذلك لأن ميشال عون خضع لمعمودية “النفي” في فرنسا، القسري والاختياري، والتي أفقدته آنذاك صداقاته وموقعه ودوره. كانت تلك التجربة أقسى بكثير من تجربة الحكم. ولذلك، فإن ميشال عون اليوم يبدو أكثر قدرة على تحمّل أثقال الخروج من الحكم “بلا أصدقاء”، محصّناً بجمهور عريض ما زال يهتف بحياة “الجنرال”، وبقيادة “جنرال” سياسي يثق به إلى أبعد الحدود.
هل بدأ الرئيس المغادِر “جردة حساب” الأرباح والخسائر التي حصدها من حكم 6 سنوات؟
يوحي سلوك ميشال عون أنه بدأ بجمع “الفواتير” و”الإيصالات” و”الكمبيالات”… و”سندات” الدائن والمدين.
يوحي الهدوء أنه يستعد لاستراحة محارب، ربما تكون غير طويلة، لكنها بالتأكيد ضرورة، لإعادة قراءة المعطيات والوقائع بلا ضغط الحكم، ولينظر إلى “روما من تحت” بعد أن نظر إلى “روما” 6 سنوات “من فوق”!
يغادر الرئيس، الذي سيصبح “سابقاً” بعد ساعات، إلى جمهور طالت “غربته” عنه… وهو “يحتفل”، حتى لو بحكم الأمر الواقع، بعودة قائده إليه بعد أن أوكل القيادة في “غيابه” إلى صهره.
غداً يوم آخر بالنسبة لميشال عون، وأيضاً بالنسبة لجمهوره، وكذلك للبنانين الذين يحتفلون جميعاً، وإن تناقضت خلفيات الاحتفالات: منهم من يحتفل بعودة “زعيمه” إليه، ومنهم من يحتفل بـ”الخلاص” من “عهد ميشال عون”، ومنهم من يحتفل أملاً بانتهاء حجة أساسية أمام استمرار الحصار الخانق على لبنان.
بين أهازيج الترحيب بالزعيم، و”زلاغيط” الفرح بانتهاء العهد، يعترف ميشال عون أن اللبنانيين انقسموا حوله، ليس بسبب شخصه، وإنما انتصاراً لزعمائهم وطوائفهم ومصالحهم.
في المحصلة، غداً يوم آخر في لبنان، بلا ميشال عون في بعبدا… وبلا أي رئيس آخر في بعبدا… وإلى أمد لا يبدو قريباً!
في مكتبه في قصر بعبدا، زار وفد من موقع “الجريدة” الرئيس ميشال عون، استقبلنا واقفاً متأهباً، وكأنه جاهز لتحدّي الأسئلة… لكنه بدا ودوداً إلى أبعد الحدود.
وفد “الجريدة” ضمّ الزملاء: خضر طالب، جورج علم، غاصب المختار، محمد حمية، خلود شحادة.
دارت دردشة استفاض فيها الرئيس عون في النقاش مع وفد “الجريدة”.
بدأ الحوار بسؤال عن وصف الرئيس عون لعهده، فالتقط أنفاسه وتنهّد، وقال: “إنه عهد الاستكشاف، اكتشفت حجم الفساد المتجذر في مؤسسات الدولة من 32 عاماً، وذُهلت”.
وعن العلامة التي يعطيها الرئيس لعهده أجاب: “لست في موقع أن أقيّم نفسي وعهدي”، مستطرداً: “كل شخص بيعلّي سعره.. آخر شي بينباع حسب سعره الحقيقي.. أترك للرأي العام وللتاريخ أن يحكم على عهدي”.
وعما إذا كان عهده اتّسم بالصخب والضجيج وكثرة الأحداث، قال: “أوووف.. واجهت الكثير من الأزمات والنكبات في بداية عهدي وخلاله: الإرهاب والازمات الاقتصادية والمالية و’الثورة’ التي لم أكن أفهم ماذا تريد.. والخطر الصحّي وانفجار مرفأ بيروت.. لكنني اعتبر أن الإصلاح هو التحدي الأكبر الذي واجهته خلال عهدي”.
وعدّد الرئيس عون الملفات التي أنجزها:
* توقيع مراسيم النفط في العام 2013 عندما كان جبران باسيل وزيراً للطاقة، واستكملنا الملف في الـ2019.
* حررنا الجرود من الإرهاب في عرسال وخلاياه النائمة التي كانت منتشرة في عكار.
* أقرّينا قانون الانتخاب على أساس النسبية.
* التدقيق الجنائي.
* الانتظام المالي.
أضاف: “قمنا بكل الخطوات الإصلاحية التي لا تؤذي الفساد، للأسف، لأن الفساد كان أقوى”.
وروى عون ما حصل خلال حفل الإفطار الذي أقامه في العام 2019 في بعبدا وحضره رئيسا المجلس النيابي نبيه بري ومجلس الوزراء سعد الحريري وحشد واسع من الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية… وقال: “عندما ذكرت في خطابي حينذاك محاربة الفساد، علا صوت التصفيق من جميع الحضور حتى كاد سقف القاعة أن يقع”.
سأغادر القصر بلا صديق
وعن الاعتبارات التي منعت حلفاء عون من دعمه في معركة مكافحة الفساد، قال عون “قلت سابقاً إن حليفي شبه الوحيد (حزب الله) كان بمثابة توأم مع حركة أمل، وفصله عن توأمه يسبب نزف دماء، فما كان ممكناً فصله”.
وأضاف: “اليوم سأغادر قصر بعبدا وليس لدي أي صديق، على الرغم من أني لم أجرح أو أهاجم أحداً، وتحمّلت الاهانات وأعطيت الحرية للناس، وشُتمت كثيراً، وحتى عندما أرد على الاهانات كنت أرد باحترام ومن دون تجريح”.
عن رؤيته لكيفية إصلاح النظام السياسي بعد التشويه الذي أصابه من سوء تطبيق اتفاق الطائف والممارسة السياسية خلال العقود الماضية، قال رئيس الجمهورية: “يبدأ الحل من وضع قانون جديد للأحوال الشخصية يعطي الحرية للناس، بدل إلزامهم بقوانين الطوائف. ومثل هذا القانون يقضي تلقائياً وتدريجياً على النظام الطائفي بنسبة كبيرة، الى جانب قوانين إصلاحية أخرى”.
ورأى أن “الطوائف أكبر من الطائف، وعندما تكون على هذا القدر من القوّة والنفوذ، يصبح من الصعب تعليبها بنصوص وقوانين ترمي الى تدجينها والحد من نفوذها وامتيازاتها”.
هؤلاء حاربوني وأعاقوا مسيرة الإصلاح…
وعن طبيعة الجهات التي حاربته وسعت لإفشال عهده، أكانت داخلية لها علاقة بالإصلاح ومكافحة الفساد، أم خارجية تتعلق بمواقفه من الإرهاب وسلاح “حزب الله” وملف ترسيم الحدود البحرية، قال عون: “كل هذه العوامل مجتمعة”.
وحدّد عون الجهات المسؤولة عن عرقلة تنفيذ أهداف العهد ومسيرته الإصلاحية:
* السلطة القضائية مسؤولة بعرقلة ملفات القضاء، وقد أرسلت 22 ملفاً قضائياً الى القضاء ولم يبت بأي ملف منها. السلطة القضائية مسؤولة عن التحقيق والمحاسبة وإصدار الاحكام وتطبيق العدالة، لكنها لم تقم بواجباتها. المدعي العام وجه اتهاماً وأصدر مذكرات توقيف بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.. شو صار فيها؟!”.
* السلطة التشريعية.. لقد أرسلت 122 قانوناً الى المجلس النيابي ولم يُبت منها سوى 45، والباقي بقي في الأدراج.
* السلطة التنفيذية عرقلت الكثير من المشاريع والقرارات ولم تتعاون في عهدي.
* على المستوى الاقتصادي والمالي تعاقدنا مع شركة “ماكينزي” لوضع خطة، وعندما أُفشلت، أنا رئيس جمهورية، وإبنتي التي كانت مسؤولة عن هذا الملف يئِست وتوقفت عن عملها.
* وضعنا خطة اقتصادية وجمعت خبراء من مختلف القوى السياسية، ووضعنا خطة اقتصادية شاملة، ولم تنفذ.
* التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.. كان من المفترض أن ينتهي في 27 أيلول الماضي.. لكن أُغرقت شركات التدقيق بكمية كبيرة من الأوراق ولم تصل الى نتيجة ايجابية.
لم أتخذ بعد القرار..
وحول موقفه من حكومة تصريف الاعمال في حال حصول الفراغ الرئاسي وتوليها صلاحيات رئيس الجمهورية وجدوى توقيعه مرسوم قبول استقالة الحكومة واعتبار البعض أنه لزوم ما لا يلزم باعتبار الحكومة مستقيلة، قال عون: “من قال إنه لزوم ما لا يلزم؟! لا زلت أفكر بالموضوع ولم أقرر بعد، لكن صدور المرسوم يقيّد الحكومة أكثر ويمنعها من التصرف. فلا نص في الدستور يمنع هذا التوقيع”.
وعن احتمال أن يؤدي توقيعه إلى أزمة وصدام في البلد، أوضح عون أن “الهدف من التوقيع اجبار المجلس النيابي على انتخاب رئيس للجمهورية”، مضيفاً: “معقول هذا الوضع؟! لا انتخاب رئيس؟.. رئيس الجمهورية يمكنه تشكيل حكومة، لكن الحكومة لا يمكنها انتخاب رئيس. لا يمكن ترك حكومة تصريف الأعمال تدير البلاد في الفراغ، ولا يمكن ترك الحكم للبرلمان في ظل التركيبة الحالية. بقدر أنا ومجلس الوزراء نحلّه ويتم انتخاب مجلس جديد..”.
وعما إذا كان وزراء “التيار الوطني الحر” سيعتكفون عن المشاركة في اجتماعات حكومة تصريف الأعمال، قال عون: “لم أعلم بهذا الأمر، لكن الحكومة الحالية مستقيلة ولا صفة لها ولا يجوز أن تجتمع”.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان بإمكان الوزراء تصريف الأعمال في وزاراتهم، هزّ عون برأسه موافقاً.
وعما إذا كان عمله السياسي سينتهي مع وصوله الى الرابية بعد ست سنوات من العمل، ختم عون بالقول: “طالما يعطيني ربي الصحة والعمر، لن أتوقف عن نضالي لتحقيق ما ناديت به طيلة حياتي السياسية. مكمّل من الرابية”.