حوار برّي إمساك باللعبة أم إنزال المتسلّقين عن الشجرة؟

كتبت سابين عويس في”النهار”: بري نفسه بات يشعر، بعد أربع جلسات انتخابية فاشلة، بأن الجلسات باتت أشبه بالمسرحية وسط تشبّث كل فريق بموقفه، ما يجعل كل الجلسات متشابهة ما لم يحصل خرق في المشهد المكرّر، يؤدّي الى كسر الحلقة المفرغة والتوجّه الى عملية انتخاب جدّية تنتج رئيساً.
معروف عن الرئيس بري أنه لا يضيّع وقته على هدف واحد، بل يؤثر ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. وبناءً على ذلك، فإن الدعوة الى طاولة حوار لا تقتصر أهدافها على الملف الرئاسي، وإن كان هو العنوان الرئيسي وربما الأوحد لجدول أعمالها.

يدرك بري هنا أن اللعبة باتت لعبته، ما دامت الكرة في مرماه. فهو صاحب الدعوة الى الانتخاب، ومن هذا الموقع، بادر لكي يكون صاحب الدعوة الى الحوار، خصوصاً بعدما تبيّن أن رئيس الجمهورية، طيلة ولايته، المنقطع عن القوى السياسية، والمعزول في بعبدا بسبب خلافاته مع غالبيتها، عجز عن الاضطلاع بهذه المسؤولية، رغم أنها في صلب صلاحياته ودوره كـ”بيّ الكل” والمؤتمن على الدستور وتطبيقه، فاستحال عليه توجيه الدعوة، بحيث وُلدت الفكرة ميتة، ولم تتمكّن من شق طريقها نحو جمع الأضداد تحت قبة بعبدا.
لن يقدم رئيس المجلس على “دعسة” ناقصة ما لم تكن المعطيات التي يملكها تؤهّله للنجاح فيها. وهو لهذه الغاية، بدأ يستمزج جدّياً الآراء والمواقف قبل أن يخطو خطوته الأولى. سمع تجاوباً من رئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل، ولاقى ترحيباً من جانب “حزب الله” ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فيما ينتظر رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع الدعوة ليحدّد موقفه، انطلاقاً من اقتناعه بأن أي حوار إن كان يهدف الى انتخاب رئيس بالتوافق والتسوية فسيكون رئيساً لإدارة الأزمة، لا لحلها. والمرحلة اليوم تتطلب رئيساً قادراً على الحل.

على مقلب الكتل الأخرى، تكشف أوساط قريبة من رئيس المجلس أن الاتصالات بدأت جدّياً لاستمزاج رأيها. يأخذ بري في الاعتبار عاملين أساسيين، التوزيع الطائفي للكتل وحجم تمثيلها السياسي، وعلى هذين الأساسين ستُوجَّه الدعوات، بحيث يكون التمثيل على طاولة الحوار شاملاً. أما الطبق الرئيسي، فحتى الآن لا يزال الاستحقاق الرئاسي، والهدف إطلاق مبادرة حوارية بين القوى المتصارعة، عجزت قاعة ساحة النجمة عن تشكيل مساحة كافية لها في ظلّ استعراضات شعبوية وسقوف عالية من الصعب التراجع عنها، ما لم يتوافر مخرج يُنزل الجميع عن شجرتها.

لم يحدد بري بعد موعداً لدعوته، ولكن الأكيد أنها ستكون بعد انتهاء الولاية الرئاسية، وليس مستبعداً أن تكون قبل الجلسة المقبلة للانتخاب التي لم يحدّد أصلاً موعداً لها بعد، وليس في وارد ذلك في الأيام القليلة الفاصلة عن انتهاء ولاية عون، وذلك لإدراكه أن ظروف الانتخاب لم تنضج بعد.

إذن الدعوة جهزت وتنتظر استكمال المشاورات مع الكتل، ولكن هل تنتج رئيساً أم تكون مزيداً من إضاعة الوقت؟ الجواب ليس أكيداً، ولكن الأكيد أن الحوار في الوقت الضائع سيسهم من دون أدنى شك في ملء الفراغ على الساحة السياسية في ظل شعورين دستوريين، في الرئاسة والحكومة.