/ علاء حسن /
بدأ العد العكسي لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ودخل البلد في الأيام الأخيرة من عهده، ولا يزال موضوع تشكيل الحكومة يراوح مكانه. ففي حين يصر فريق رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، ومعه الحلفاء، على تولي حكومة “أصيلة” إدارة البلد بعد 31 تشرين الأول، يتمسك الرئيس نجيب ميقاتي بالتشكيلة الحالية وبالوضع القانوني الفعلي للحكومة، آملاً سحب البساط من العهد والإمساك بزمام الأمور وفق رؤيته ورؤية خصوم بعبدا.
على أن الفريق المقابل لن يقف متفرجاً على “تطيير” تشكيل الحكومة، ودخول البلد في فراغين متزامنين يؤديان حكماً إلى إخراج العهد من مطبخ القرارات السيادية في البلد.
وفي السياق ذاته، يبدو أن لـ”حزب الله” رأياً آخر في هذا الخصوص، فالحزب الذي وصف سيد بعبدا بـ”الجبل” ووقف خلفه في أكثر الأزمات التي طالت “التيار الوطني الحر”، ابتداءً بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ووصولاً على أحداث 17 تشرين الأول عام 2019، ومحاولات وضعه في العزلة، وجد أن الرئيس التقاه في منتصف الطريق في أكثر من استحقاق، وآخرها كان ملف الترسيم الذي أدى إلى حصول لبنان على حقوقه في الثروة النفطية والغازية، وهو انجاز يسجل للعهد أنه الرئيس الذي استند إلى ورقة قوة محورية في مفاوضاته مع الجانب الأميركي، حتى وصولها إلى الخواتيم المقبولة.
وعليه، فإن “حزب الله” يرى أن لعدم تشكيل الحكومة قبل انتهاء ولاية الرئيس، مساوئ كثيرة، ويدخل البلد في متاهات لا يتحملها لبنان في الوقت الحالي. فالفراغ الدستوري الذي يمكن أن يحصل نتيجة لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية وعدم وجود حكومة أصيلة تدير شؤون البلد، سيفاقم من الأزمات الموجودة، وقد يؤدي الأمر إلى انهيارات في بعض أركان الدولة، وأهمها الأمن الاجتماعي الممسوك حالياً بنسبة عالية.
على أن ما يجري حالياً بين فريق العهد وبين الرئيس ميقاتي لا يعدو كونه “نكد” سياسي يصل إلى حافة “اللامسؤولية”، في الوقت الذي يمر فيها البلد بأزمات لا تعد ولا تحصى. ولئن كان لكل فريق منطقه الخاص الذي يمكن تفهمّه، إلا أنه لا يعني الذهاب بالتصلب الحالي إلى النهايات. الرئيس ميقاتي يرى أنه لا يمكن إعطاء “التيار الوطني الحر” ستة وزراء دون ضمان حصول حكومته على الثقة، فلا معنى لهذه الشراكة طالما أنها لن تؤدي إلى نيل الحكومة الثقة من قبل نواب “التيار الوطني الحر”، إذ يصبح وجود “التيار” في الحكومة ضرباً من العبث. وفي المقلب الآخر، يرى “التيار الوطني الحر”، الذي لم يعد يثق رئيسه بعدد من الوزراء الحاليين المحسوبين عليه في الحكومة لاعتبارات عديدة، أن الرئيس ميقاتي قدم تغييرات في التشكيلة الحكومية على مستوى وزراء السنة والدروز والشيعة، ولم يعط “التيار” أي ملاحظات عليهم، بالتالي لا يحق للرئيس المكلف مناقشة “التيار” في اختيار الأسماء المسيحية. في الوقت عينه يرى الرئيس ميقاتي أنه يحتاج إلى حكومة متجانسة تستطيع قيادة البلاد في ظل الفراغ الرئاسي القادم.
وبين هذا وذاك، يقف “حزب الله” على خط تقريب وجهات النظر من أجل تشكيل حكومة أصيلة قبل نهاية العهد، وحصولها على توقيع رئيس الجمهورية، ما يوفّر لها إمكانية نيل الثقة من المجلس النيابي، حتى ولو أتت جلسة نيل الثقة بعد انتهاء ولاية الرئيس عون.
ويتردد في هذا السياق، أن الرئيس نبيه بري يرى أن المجلس الحالي ليس في حالة “هيئة ناخبة”، وأنه يستطيع القيام بالمهام التشريعية وإدارة جلسات الحوار، وحتى جلسة نيل الثقة للحكومة العتيدة.
وأخيراً، لما كان الخارج منهمكاً بملفات أكثر أهمية من الشأن الداخلي اللبناني، ويريد لهذه الاستحقاقات أن تجري في مواعيدها الدستورية منعاً لحصول أزمات جديدة في غنى عنها. ولما كانت الأطراف الداخلية تعي خطورة الدخول في محظور الفراغين، خصوصاً وأنها تتوعد بعضها البعض للمرحلة المقبلة. فإنه من المرجح أن السلوك الكيدي الحالي ليس سوى مرحلة عض أصابع تجري في الجولة الأخيرة من اللعبة، وأن الحكومة ستبصر النور ولو قبل مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا بساعات. وبالتالي فإن كل ما يشاهده المواطن ما هو إلا مسرحية سيسدل الستار عن مشهدها الأخير بجلوس الأطراف المتصارعة جنباً إلى جنب لإدارة المرحلة المقبلة، والاتفاق على قواعد النزاع الآتي حول رئاسة الجمهورية.