ما هي “الانتخابات النصفية” في أميركا.. وما هي تأثيراتها؟

تستعد الولايات المتحدة الأميركية لاستحقاق “الانتخابات النصفية” في 8 تشرين الثاني المقبل. وقد بدأت مراكز الدراسات في أميركا بحسابات الربح والخسارة بين الحزبين الرئيسيين: الجمهوري والديموقراطي، وكذلك باستشراف التأثيرات التي ستتركها نتائج هذه الانتخابات على سياسة الولايات المتحدة الأميركية، داخلياً وخارجياً، وكذلك ما يمكن أن تعطي من مؤشرات حول الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سنتين.

وتجرى “الانتخابات النصفية” في منتصف فترة ولاية الرئيس الأميركي التي تدوم أربع سنوات، ويقوم الناخبون خلالها بتجديد جزء من أعضاء الكونغرس (مجلس النواب) وحكام بعض الولايات ومسؤولين محليين، وهي فرصة كذلك لاقتراح مشاريع قوانين محلية.
وينص الدستور الأميركي، على أن كل عضو من أعضاء مجلس النواب وحوالي ثلث أعضاء مجلس الشيوخ يتنافسون في منتصف الطريق بين الانتخابات الرئاسية.

ويتكون الكونغرس الأميركي من مجلسي النواب والشيوخ، وجميع مقاعد مجلس النواب 435 مقعداً وثلث مقاعد مجلس الشيوخ الـ100 سيعاد تجديدها عبر التصويت، بالإضافة إلى 36 من أصل 50 حاكم ولاية.
والسبب في عدم الاقتراع على المقاعد كافة دفعة واحدة، يعود إلى اختلاف نظام الانتخاب ومدد الولاية لهذه المناصب، إذ إن مجلس النواب يعاد انتخابه كل سنتين، في حين أن مدة عضوية مجلس الشيوخ ست سنوات، إلا أنه يعاد انتخاب ثلث الأعضاء فيه كل سنتين.

وأكبر الولايات من حيث المقاعد بمجلس النواب هي: كاليفورنيا (53)، تكساس (36)، فلوريدا (27)، نيويورك (27)، إلينوي (18)، بنسلفانيا (18)، وأوهايو (16).
الأصغر والأقل اكتظاظا بالسكان لديهم أقل عدد من المقاعد: كل من ألاسكا وديلاوير ومونتانا ونورث داكوتا وساوث داكوتا وفيرمونت ووايومنغ بها مقعد واحد فقط في مجلس النواب.

ويتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات، حيث يمثل عضوان فقط كل ولاية من الولايات الخمسين، بغض النظر عن الحجم.
وتعد الانتخابات النصفية اختبارا على الصعيد المحلي، لأن الناخبين يختارون خلالها كذلك أعضاء المجالس البلدية، القضاة وقادة الشرطة.
كما تؤثر الانتخابات النصفية أيضا على حكومات الولايات والحكومات المحلية، حيث تجري معظم سباقات الحكام، بالإضافة إلى المسابقات التشريعية للولاية، وسباقات رؤساء البلديات، وانتخابات المجالس المحلية ومجالس المدارس.

لماذا “النصفية” مهمة؟
بحسب موقع الحكومة الأميركية، فقد أكد أستاذ السياسة في جامعة جورج واشنطن، غاري نوردلينغر أن “من يسيطر على مجلس النواب أو مجلس الشيوخ يسيطر على البرنامج السياسي”.
وأوضح نوردلينغر أن “حزب الأغلبية يحدد من الذي يقود اللجان المهمة في الكونغرس، وأن قدرة الرئيس على إنجاز برنامجه لها علاقة قوية بما إذا كان حزبه مسيطرًا على الكونغرس بمجلسيه”.

وهذه الانتخابات تشمل انتخابات على مستوى الولاية لاختيار حاكم الولاية أو المجلس التشريعي للولاية، وانتخابات على مستوى المدن لاختيار رؤساء البلديات، وانتخابات محلية لاختيار القضاة والمسؤولين المحليين، بالإضافة إلى مبادرات الاقتراع على المستوى المحلي أو مستوى الولاية.

وبحسب نوردلينغر، فإن “الغالبية العظمى من التشريعات في البلاد يتم تمريرها على المستوى الولائي وليس على المستوى الفيدرالي”.

مجلس النواب.. صراع مستمر
ومن أصل 435 مقعدا في مجلس النواب، فإن الحزبين يحتفظان بمعظم مقاعدهما بأمان، في حين أنه سيكون هناك 30 مقعدا متأرجحا.
ويتمتع الديمقراطيون حاليا بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب، حيث يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين 220 عضوا مقابل 212 عضوا جمهوريا.
وستكون مناطق الضواحي حول المدن في ولايات مثل بنسلفانيا وكاليفورنيا وأوهايو ونورث كارولينا هي المفتاح، وفقا لتقرير “بي بي سي”.

وفي السياق، قال مارك جونز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة رايس في هيوستن، لوكالة الأناضول: “في حوالي 350 منطقة من 435 منطقة، لا توجد انتخابات حقيقية، لأنه عادة ما يكون هناك قفل على المرشح في تلك المقاطعات، سواء كان ديموقراطيا أو جمهوريا”.
وأضاف: “هناك فقط حوالي 50 إلى 80 سباقا على مجلس النواب، حيث توجد منافسة حقيقية”.
وأوضح جونز: “انتخابات التجديد النصفي كلها مهمة لمجلس النواب هذا العام، لأن 30 أو 40 مقعدا ستحدد ما إذا كانت السيطرة على مجلس النواب الأميركي ستنتقل من سيطرة الديمقراطيين إلى سيطرة الجمهوريين”.

مجلس الشيوخ
ما مجموعه 35 مقعدا من أصل 100 معروض للانتخابات خلال هذه الانتخابات النصفية، منها 12 مقعدا يسيطر عليها الديمقراطيون، و23 مقعدا يسيطر عليها الجمهوريون.
وقال جونز: “في الوقت الحالي، ينقسم الديمقراطيون والجمهوريون بنسبة 50-50 في مجلس الشيوخ، مع نائبة الرئيس كامالا هاريس التي صوتت بالصوت الفاصل (51) لصالح الديمقراطيين سابقا”.
وهذا يعني أن الديمقراطيين يجب أن يفوزوا بـ12 مقعدا خلال الانتخابات النصفية للحفاظ على سيطرتهم على مجلس الشيوخ.
ويبدو أن أربعة مقاعد فقط من أصل 35 يتم التنافس عليها بشكل واقعي يمكن أن تذهب في أي من الاتجاهين، حيث أن السباقات المحورية هنا موجودة في نيفادا وأريزونا وجورجيا وبنسلفانيا، بحسب تقرير “بي بي سي”.

تاريخ النصفية
منذ الحرب العالمية الثانية، خسر حزب الرئيس مقاعد في مجلس النواب في أول انتخابات نصفية، وفقا لمجلس العلاقات الخارجية.
وكانت نتائج الانتخابات النصفية على مدار السنين سيئة لحزب الرئيس الحاكم، ففي الانتخابات النصفية الـسبع عشرة السابقة فقد حزب الرئيس 28 مقعدا من مقاعد مجلسي النواب والشيوخ.
وكان جورج دبليو بوش استثناء ملحوظا، حيث شهدت فترته فوز الجمهوريين بثمانية مقاعد في مجلس النواب في عام 2002، وذلك في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001.

لكن في انتخابات 2006، تمكن الديمقراطيون من الفوز بمقاعد عدة في مجلس الشيوخ ومناصب العديد من حكام الولايات، بسبب حالة الاستياء الكبيرة التي كانت تتملك الأميركيين من سياسة الرئيس بوش.

تأثير نتائج النصفية على الرئاسية
يعتبر المحللون بأن شعبية الرئيس وحال البلاد الاقتصادية يؤثران على الانتخابات النصفية الأميركية، وبما أن هذين العاملين في تغير مستمر، فإنه لا يمكننا الجزم بأن نتائج الانتخابات النصفية ستكون مماثلة لنتائج الانتخابات الرئاسية، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
ومن الرؤساء الذين أصيبوا بنكسة خلال الانتخابات النصفية لكن أعيد انتخابهم خلال الانتخابات الرئاسية، الرئيس هاري ترومان عام 1946 ورونالد ريغان عام 1982 وبيل كلينتون في 1994.

الملفات الكبرى
منذ بداية عام 2022، بدا أن أكبر الملفات الحارقة ستكون الهجرة والجريمة وتكلفة المعيشة، والتي فازت بأصوات الجمهوريين المحافظين، وفقا لـ”بي بي سي”.
لكن تغير ذلك في حزيران  الماضي، عندما ألغت المحكمة العليا في الولايات المتحدة إجراءات الحماية الوطنية للإجهاض، ما أعطى دفعة للديمقراطيين، الذين يدعمون حق المرأة في الاختيار وجعل هذا الأمر محوريا في العديد من الحملات.
ومع تلاشي التأثير المباشر لهذا القرار، يحاول الجمهوريون إعادة التركيز إلى التضخم والهجرة والجرائم العنيفة.
وقال جونز للأناضول، إن “التضخم هو أكبر مشكلة لأننا نشهد معدلات تضخم قياسية لم نشهدها منذ الثمانينيات.. التضخم والاقتصاد هما الأهم لأنه في النهاية، هذا هو ما يحرك الناخبين، وهذا ما يؤثر على حياة الناس اليومية”.
وأضاف: “يتم تذكير الناس بالتضخم كل يوم، وليس نهاية قضية قرار المحكمة العليا لعام 1973 الذي شرع الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، ومراقبة الأسلحة، والجريمة، والسلامة العامة أو الهجرة ودوريات الحدود”.

تأثير النتائج.. مخاوف بايدن
وبما أنه غالبا ما تكون الانتخابات النصفية بمثابة حكم على أداء الرئيس، حيث يخسر الحزب الحاكم مقاعد له، يبدو أن هذا الأمر يمثل مصدر قلق للرئيس بايدن، الذي كانت نسبة تأييده بين الناخبين أقل من 50٪ منذ آب الماضي.
وفي حال تماسك الديموقراطيين، فسيكون الرئيس بايدن قادرا على الاستمرار في خططه بشأن تغير المناخ، لتوسيع برامج الرعاية الصحية التي تديرها الحكومة، وحماية حقوق الإجهاض وتشديد الرقابة على الأسلحة.
لكن إذا ما سيطر الجمهوريون على أي من المجلسين، فسيكونون قادرين على إفشال أجندة بايدن.

كما سيكونون قادرين أيضا على التحكم في لجان التحقيق، حتى يتمكنوا من إنهاء التحقيق في هجوم 6 كانون الثاني 2021 على مبنى الكابيتول الأميركي من مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترامب، على الرغم من أن عمله من المقرر أن ينتهي بحلول نهاية العام.
وقد يجرون تحقيقات جديدة في موضوعات ذات اهتمام أكثر تحفظا، مثل المعاملات التجارية الصينية لابن جو بايدن أو الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية من أفغانستان.
وفي هذه الحالة، سيكون من الصعب على بايدن إجراء تعيينات جديدة، بما في ذلك في المحكمة العليا الأميركية، كما ستعيق هيمنة الجمهوريين سياسته الخارجية، لا سيما مساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
في المقابل، يمكن للرئيس بايدن استخدام الفيتو الخاص به ومنع القوانين المحافظة المتعلقة بالإجهاض والهجرة والضرائب.

رئاسية 2024.. ترامب
يمكن أن تعطينا الانتخابات النصفية فكرة عمن قد يكون في السباق ليكون المرشح الجمهوري للرئاسة لعام 2024، وفقا لـ”بي بي سي”.
وإذا كان أداء المرشحين المدعومين من الرئيس السابق دونالد ترامب سيئا، فمن غير المرجح أن يحصل على دعم الحزب الجمهوري للترشح للرئاسة مرة أخرى.
في فلوريدا وتكساس، يأمل المحافظان الجمهوريان رون ديسانتيس وجريج أبوت أن إعادة انتخابهما ستحفزهما على الترشح للبيت الأبيض.
وأما إذا تمكن الديمقراطيون من التمسك بالسلطة في ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، فمن المفترض أن يمنحهم ذلك بعض الثقة أثناء قيامهم ببناء حملتهم 2024 لإعادة انتخاب الرئيس بايدن.

مصير بايدن
ورغم أن اسم بايدن قد لا يكون مدرجا في بطاقات الاقتراع، إلا أن سمعته قد تكون معلقة على النتائج.
وقال جونز: “من وجهة نظر الرئيس بايدن، يمكنه توديع أي جزء من جدول أعماله التشريعي لبقية فترة ولايته إذا خسر مجلس النواب، وقد يزداد الأمر سوءا إذا سيطر الجمهوريون أيضا على مجلس الشيوخ”.
إذا سيطر الجمهوريون على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، فقد تعهدوا أيضا بمتابعة التحقيقات العدائية في إدارة بايدن، أو حتى السعي لعزل بايدن أو أعضاء كبار آخرين في فريقه.