الدبلوماسية التركية بين روسيا وأوكرانيا.. في منطقة “رابح رابح”!

/ دايانا شويخ /

تسعى الدبلوماسية التركية إلى وضع العصي في عجلة الحرب الروسية على أوكرانيا، ساعية بذلك إلى ترسيخ دورها الاقليمي المتعاظم في المنطقة، والذي تعمل من خلاله على حجز مكانتها في العالم الجديد المتعدد الأقطاب الذي يتشكل اليوم. فهل يمكن لتركيا أن تكون الوسيط بين الطرفين؟ وما هي المكاسب التي ستحصدها؟

لماذا تلعب تركيا دور الوسيط؟

تقف تركيا في منتصف الطريق بين روسيا وأوكرانيا، نظراً لعلاقاتها الوطيدة مع البلدين. ويرى بعض المراقبين أنها أمام خيار صعب في أخذ طرف من الأزمة الراهنة، فأنقرة لا يمكنها الوقوف على الحياد نظراً لكونها جزء من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبالتالي يجب مراعاة موقف “الناتو” من الأزمة الروسية الاوكرانية.

وعلى مقلب آخر تحتفظ تركيا بصلات ممتازة مع روسيا وأوكرانيا. فبالنسبة لأوكرانيا، تربط كييف وأنقرة مصالح اقتصادية مشتركة، إضافة إلى أن أنقرة عملت على مساندتها في شبه جزيرة القرم نظراً لروابطها التاريخية مع المجتمع التتري، وقامت بتزويدها مؤخراً بالطائرات التركية المسيرة من طراز “بيرقدار TB2″، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا نظراً لإمكانية هذه التقنية المتقدمة في تغيير قواعد اللعبة. في حين تربط أنقرة وموسكو علاقة معقدة نوعاً ما، فعلى الرغم من أن روسيا وتركيا تحافظان على علاقات اقتصادية جيدة، وبالأخص في مجال الطاقة، حيث استوردت منها حوالي 33.6 مليار متر مكعب من الغاز لعام 2020، إضافة إلى أن تركيا تشكل وجهة سياحية للروس، إلا أن العلاقات تشهد توترات في ملفات تتعلق بسوريا وليبيا وقرة باغ، وأهمها أوكرانيا بعدما نددت بالعمليات العسكرية عليها، وبرغم ذلك اتجهت أنقرة إلى شراء انظمة الدفاع الجوي الروسية اس 400 والتي عرضتها لعقوبات أميركية.

إذن تسعى تركيا إلى الحفاظ على علاقات لا تشوبها شائبة مع كلا الطرفين، وخاصة في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، وتسعى إلى أن تكون وسيطاً مهماً بين الجانبين من خلال دبلوماسيتها التي تؤهلها إلى أن تكون قوة اقليمية مؤثرة في الوسط الدولي.

كيف تستفيد تركيا من الحرب؟

تعزز الدور التركي في أعقاب الحرب الروسية على اوكرانيا في اتجاهات عدة، فقد ساهمت دبلوماسية أنقرة بنجاح في عدة ملفات بين الجانبين الروسي والأوكراني، أهمها إبرام اتفاقية بين الطرفين برعاية الأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي يسمح بتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية عبر البحر الاسود ومضيق البوسفور. وبالرغم من فشل المفاوضات بين الوفدين الروسي والأوكراني، إلا أن تركيا نجحت في استضافة ممثلين على أراضيها منذ بداية الأزمة.

وفي سبتمبر/ أيلول أبدى أردوغان رغبته في التوسط لإيجاد حل لأزمة محطة الطاقة النووية في منطقة زاباروجيا الأوكرانية. أما مؤخراً فقد لعب أردوغان أيضا دور الوسيط – بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية – في الملف المتعلق بالأسرى، حيث شكر الرئيس فولوديمير زيلينسكي نظيره التركي رجب طيب أردوغان “لقيادته لهذه العملية”.

حققت تركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي (الناتو) بموقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا، استفادة من الحرب الروسية الأوكرانية، إذ شكلت شراكة اقتصادية مع روسيا وشراكة عسكرية وأمنية مع أوكرانيا. وبالتالي أصبحت وسيطاً موثوقاً عزز مكانتها كقوة اقليمية.

ملف تصدير الغاز لأوروبا عبر تركيا

على هامش قمة التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا (CICA) في العاصمة الكازاخستانية آستانا، تطرّق الرئيس التركي أردوغان ونظيره بوتين لمشكلة إمدادات الغاز الروسي لأوروبا. واعتبر بوتين أن تركيا هي الخيار الأفضل لإعادة ضخ امدادات الغاز إلى الاتحاد الاوروبي عبر خط السيل التركي “ترك ستريم”، بعد التسرّبات في خطّي “نورد ستريم”. واعتبر بوتين أن “تركيا أصبحت المصدر الأكثر موثوقية لطريق إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا”. ودشن خط السيل التركي في 7 يناير/ كانون الثاني 2020، وهو خط أنابيب مخصص لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا. ووفقا لنائب رئيس الوزراء الروسي يمكن تصدير 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية عبر تركيا.

تجد تركيا الفرصة في أن تصبح مركزاً لنقل الغاز إلى الدول الاوروبية، إلا أن السؤال هنا عما إذا يمكن للدول الاوروبية الرافضة للحرب الروسية على أوكرانيا، والتي أثقلت روسيا بكاهل العقوبات، أن تقبل مجدداً الغاز الروسي، وإن كان عبر تركيا الحليف للغرب والعضو في الناتو.

تركيا تدير موقع الوسط وتنتظر

مسار المواجهة الدائرة بين روسيا و”الناتو” يقول إن التسوية  حتمية، حيث لا هزيمة كاملة ممكنة لأي من الفريقين بوجود السلاح النووي البعيد عن فرص الاستخدام، وأنها في نهاية طريق شاق وطويل تحتاج إلى مفاوضات تحدد حجم الربح بالنقاط للطرف الذي تفوق في الحرب أو تحمل تبعاتها أكثر، وأن التفاوض يحتاج منصة موثوقة ستكون تركيا أحد صناعها. ففي التسوية ترسيم حدود الجغرافيا بين روسيا و”الناتو”، ومناطق محايدة سيكون من نصيب تركيا قبل سواها توليها، كحال البحر الأسود. وفي التسوية منصات غاز روسية لأوروبا تقول أوروبا إنها آمنة وتقول روسيا إنها موثوقة، وهذا ما تسعى إليه تركيا عبر مجمع توزيع الغاز الروسي الجديد، وفي التسوية مزيد من النفوذ الروسي المرجح في آسيا ليس لدى تركيا مشكلة معه، وقد أصبحت في كثير من الملفات جزءاً منه، من تفاهمات سورية الأخيرة، إلى انضمامها لمنظمة شانغهاي، بصورة تبدو معها تركيا الوحيدة الواقفة في منطقة رابح رابح في الحروب الجديدة، باستثناء خسارتها الرهان في سورية، وهي من ليبيا إلى أذربيجان إلى أوكرانيا تراكم الأرباح.