/ مرسال الترس /
يبدو أن اللبنانيين قد باتوا مدمنين على جَلد بعضهم البعض، وفي كل المناسبات، على خلفيات الحسد والـ”أنا”، متجاهلين كل ما يرتبط بالوحدة الوطنية التي تُعتبر الركيزة الاساسية لرفعة الوطن وازدهاره.
ففي حين يعاني لبنان منذ ثلاث سنوات أسوأ أزمة تلم ببلد على مستوى الكرة الأرضية، يلاحظ اللبنانيون أن سياسييهم ومسؤوليهم لا هم عندهم سوى مناكفة بعضهم البعض، واتخاذ المواقف المتناقضة إزاء بعضهم البعض، وكأن البلاد بألف خير، وكأن المواطنين يتمتعون بأعلى درجات الرخاء والسعادة. وبدل أن تتقارب مواقفهم لتعزيز الوحدة الوطنية، وحصول الوطن على أفضل الصيغ لمواجهة الأطماع الخارجية، يعمدون إلى تشويه صورة أبناء جلدتهم، حتى لو كانوا على حق، حتى بات يصح فيهم المثل القائل: “المكان ضيّق والحمار لبّاط”.
ولعل أكبر مثال على ذلك ما حصل مؤخراً في موضوع الترسيم البحري، حيث كان يجري التصويب على أهل السلطة وحلفائها أنهم رفعوا سقف المطالب بالتوجه لاعتماد الخط 29 لأنهم يرغبون بالحرب، وعندما وافقت السلطة على الورقة الأميركية الوسيطة، خرجوا بقضهم وقضيضهم ليعدّوا الكيلومترات التي خسرها لبنان، لا بل انهم ذهبوا إلى حد مقارنة اتفاق الترسيم باتفاق 17 أيار، على وتيرة الحكاية الشعبية التي تقول: “إذا حبّيت بقتلك، وإذا ما حبيت بقتلك”. والأمر نفسه ينطبق على الاستحقاق الرئاسي وتشكيل الحكومة وبقية المواضيع المطروحة.
غاب ويغيب عن بال اللبنانيين، أن الثروة النفطية والغازية في هذا البلد، الذي يجاور أهم قاعدة أميركية في شرق المتوسط، أي الكيان الصهيوني، هي من ضمن احتياطي الولايات المتحدة الأميركية، وهي تحتاج لها في هذه المرحلة بالذات بعد قطع أوصال الغاز الروسي عن أوروبا. وفي سبيل ذلك تعمد إلى بناء أكبر سفارة في القارة الأسيوية على الأرض اللبنانية. وهي ربما كانت وراء عرقلة استخراج الثروات الطبيعية اللبنانية منذ سبعة عقود بالتمام والكمال.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: “هل سيعرقل الروس استخراج الغاز في شرق المتوسط.. وكيف؟ ولذلك فإن واشنطن ترسم خريطة طريق لجمع العواصم التالية: أثينا ونيقوسيا وبيروت وتل أبيب، في كونسورتيوم واحد. وفي سبيل ذلك أتاح “العم سام” لدولة قطر، التي توجد فيها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في آسيا والخليج، لكي يكون لها دور محوري في استخراج الثروات الهيدرو كربونية في شرق المتوسط.
الواضح أن لعبة المصالح الدولية، ولاسيما الأميركية، فَرضت على أفرقاء الترسيم مبدأ “الكل رابح”، ومن لا يعجبه فليلطم رأسه بالجدار، في حين أنها فرصة تاريخية لخروج لبنان من الحفرة التي دفعه اليها سياسيوه ومسؤولوه الذين ما زالوا “يتناطحون” في الهواء، ليس لسبب إلاّ على قاعدة “بيي أقوى من بيّك”.