/ محمد عيسى /
لأجل غير معلوم تبقى العيادة النفسيّة تعدّ من تابوهات مجتمعاتنا. حيث نرى التّرويج للشذوذ الجنسيّ والحرياتالمصطنعة الّتي لا تشبه مكوّنات المجتمعات الشرقية وحتّى الفطرة الآدميّة، تتوهّج وتدخل علينا وعلى لاوعيِنا الجمعيّفي شتّى الطرّق والوسائلِ، يقابل ذلك حملات خجولة ومحدودة للدّعم النّفسي، لا تصل لمرحلة كسر الحاجز بين العيادةالنفسية والأعراف الاجتماعية التي تحيط بلفظ جملة “فلان لجأ لطبيب نفسي“.
لم يكن عماد إلّا فردًا من بين ألاف ضحايا الجهل بالمعرفة عن الأمراض النّفسيّة وأهميّة التّشخيص والعلاج والاعتراف أوّلًاو بالحاجة للتوجّه إلى مختص ما.
يروي “عماد” أنّه تعرّض لصدمة نفسيّة لم يعرف سببَها الرّئيسي لكن غالبًا كانت نتيجة تراكمات الطفولة حيث واجهمعاناة جمّة في صغرِه. باتت تتراكم أكثر فأكثر في أعماق العقل واللّاوعي، لتحدث ثقبًا في الروح حيث انفجرت فيمقتبل شبابه في سن الخامسة والعشرين.
عوارض كثيرة بدأت تظهر عليه ومنها الانفعال السّريع، العصبية المفرطة،والصّمت المفرط، الأرق والقلق،ضعف الوزن، ومنثم التّخيّلات والوساوس والعدوانيّة تجاه الأهل.
ثُم يردف قائلًا : أهلي تعاملوا مع مشكلتي بجهل مفرط ولم يقنعوا بأهمّيّة ووجوب ذهابي إلى عيادة نفسيّة، فكانت أميتكتفي بالبحث عبر زميلاتِها في الصّباحيات العقيمة عن شيخ مجتهد ليخرج الجن من داخل إبنها. وقد ذهبت بعد طولعناء لأكثر من رجل دين، منهم من رفض التّدخّل بهكذا عقدة ونصحها باللّجوء إلى مختص نفسي، ومنهم من كانمشعوذًا هدفه جني المال في زمن القحط.
أشهر مرّت وعائلة عماد من “هالك إلى مالك” دون أي جدوى، إلى أنّ تدخّلَت فتاة تحبّه بالأمر وتواصلَت مع بعضأصدقائِه وأخذوه عنوة لزيارة طبيب نفسي، حيث قام بتشخيص حالتِه ووصف له الأدوية المناسبة والآن هو بحال أفضلبكثير، متزوّجًا ولديه طفلتان.
في حديثي مع صديقتي والّتي تخرّجت كمعالجة نفسيّة، وتخضع للتّدريب في عيادات نفسيّة وجمعيّات مختلفة تقول: “نواجه الكثير من عدم المعرفة الجّمعية وأهميّة العلاج النفسي. في عصرِنا هذا، العيادة النفسيّة والتّواصل مع معالجمختص أكثر من ضروري إذا كان هناك حاجة طبعًا للجوء إليها“.
دردشة سريعة بعد سؤالي عن فئات المجتمع الّتي تصادفُها والأسباب الرّئيسيّة الّتي توصل الفرد للّجوء للعيادةالنّفسيّة.
أجابت: “لا نصادف أعمارًا محدّدة ولا حتى فئة محدّدة فالعيادة النّفسيّة مفتوحة للجميع. لكن لفتني ببداية طريقيالمهني أن الكثير من المثّقفين يلجؤون للعيادة النّفسيّة حيث يعانون التّأقلم مع رداءة المحيط“.
تقول أيضا : “كما أن الجميع معرّض لأي وعكة صحّيّة فجميعُنا معرّضون لوعكات نفسيّة. كما أنه حسب الأبحاثالعلمية الصحيحة أن هناك ثُمّة علاقة وطيدة بين الأمراض النّفسيّة والأمراض العضويّة، فالكثير من الأمراض العضويّةمنشأها عامل نفسي“.
تضيف أيضًا، “إن معظم الحالات اليوم من فئة الاكتئاب ومعظم الاكتئاب نتيجة عدم الرّضا، فمتطلّبات العصر كثيرةجدا،والاوضاع من سيّء إلى أسوء عدا عن الضّغوطات النّفسيّة الّتي سبّبتها الأزمة في كاهل أرواح أفراد المجتمع“.
وتنصح في نهاية حديثِها لِمن يشعر بالحاجة للخضوع لجلسات نفسيّة بعدم التّردّد، وأن لا يخجل من الدّخول للعيادةالنفسيّة فغالبًا جلسات الاونلاين تفي بالغرضِ من داخل المنزل…
في البلاد الّتي تتراكم فيها الأزمات تتراكم معها العيادات النّفسيّة، علّنا نصل إلى تراكم وعي وثقافة اجتماعيينللتّعاطي مع هذا التّابو الزّائف. عسانا ننفض غبار الجّهل، ونتقبل من يعاني من خلل نفسي دون النّظر إليه على أنّهشخصيّة دونيّة.
العطف على بعضنا البعض من وجهة نظري، الوقاية المتينة لعدم التّعرّض لأي ألم نفسي، والوقاية خير من قنطار علاج.
حيث يقول أحد الأطبّاء النّفسيّين:
“أتاني مريض أكاد أجزم أنّه كان سيكون بخير لو عانقه شخص واحد بصدق“.