“لا تمُت قبل أن تكون ندّاً”.. التميمي شهيدٌ مُطارِد

– سُكينة السمرة –

منذ أيام، ولم يَسطع في سماء مخيم شعفاط وبلدة عناتا وضاحية السلام، سوى نجم واحد، الشهيد المُطارد عدي التميمي.

هو أحد أبناء فلسطين المحتلة، ولد في مخيم شعفاط في مدينة القدس، في شهر تشرين ثاني من العام 1999. لمع إسم إبن الـ23 عاماً بشكل كبير في الأيام الأخيرة، بعد سلسلة من العمليات الفدائية التي قام بها ضد كيان الإحتلال الإسرائيلي، والذي جعل منه أحد أهم المطلوبين في لوائح جيش الاحتلال.

في البداية، نفّذ عملية إطلاق نار في مدينة القدس المحتلة، ما أدى إلى مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة أربعة آخرين بجراح مختلفة، وانسحب من المكان بعد تنفيذ العملية بسلام. أثارت هذه العملية حالة من الغضب لدى الكيان الإسرائيلي، فقام بمحاصرة مخيم شعفاط في مدينة القدس المحتلة من كل المداخل والجهات، من أجل العثور على عدي التميمي.

الجميع التفّ حول التميمي وعائلته منذ اللحظة التي نفذ بها عمليته الأولى، من تعسير مهمة البحث عنه وإحراق كاميرات المراقبة، وحملة حلق الرؤوس، وتكثيف ذكر الإسم عبر الرسائل والمكالمات بهدف تضليل المخابرات الإسرائيلية، ونشر قصته على مواقع التواصل، ودعم العائلة بشكل دائم. تحوّل عدي التميمي بعد ذلك إلى أيقونة، ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب بل العربي أيضاً.

لاحقت قوات الاحتلال، البطل التميمي لأكثر من عشرة أيام، وبدل أن يستكين ويختبئ، اختار الهجوم مجدداً، وبدل أن يكون مطارَداً من عسكر الاحتلال اختار أن يُطارد الاحتلال، فقام بتنفيذ عملية جديدة قرب مستوطنة “معاليه أدوميم”، شرقي مدينة القدس المحتلة.

وفي الوقت الذي كان خلاله جنود العدو لا يهدؤون لإيجاده، طاردهم هو، وعثر عليهم، ليُصيب ما استطاع من جنود الاحتلال عند الحاجز، ويقاتل حتى الرمق الأخير ويستشهد أثناء قيامه بالعملية في مساء يوم الأربعاء 19 تشرين الثاني عام 2022.

استطاع عدي أن يهزّ مضاجع الكيان الصهيوني، وجعلهم في حالة من الاستنفار التام لأيام وأيام، رغم الإمكانيات البسيطة التي كانت بين يديه. وبينما كانوا هم يبحثون عنه وجدهم هو وحقق مبتغاه ليرتقي شهيداً. تمكّن التميمي، على الرغم من صغر سنه، من تخطي منظومة أمنية كاملة، لكيانٍ يدعي أنه “دولة عظمى”.

أثار إستشهاد عدي التميمي حالة من الغضب في جميع مناطق فلسطين المحتلة، حيث قامت العديد من المؤسسات التعليمية بالتضامن والإضراب إثر إستشهاده، وأصبح حديث العالم في كل العالم، وتصدّر خبر إستشهاده مواقع التواصل الاجتماعي.

عقب إستشهاد التميمي، دعت مجموعة “عرين الأسود”، المواطنين في الضفة الغربية المحتلة، إلى الخروج ليلة إستشهاده وتأدية التحية.

برز إسم “عرين الأسود” خلال الأسابيع الأخيرة، على خلفية تنفيذ عناصرها عمليات ناجحة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة. كما ظهرت المجموعة في نابلس شمالي الضفة مطلع أيلول الماضي، عبر عرض عسكري لعناصرها.

بعد إستشهاد عدي، كان المشهد مهيباً في حضرة هذا الشاب الصغير، أكثر من 3 آلاف شاب اتجهوا نحو منزل عائلته بمجرد التأكد من هوية الشهيد، احتفلوا، أطلقوا الألعاب النارية، وبكوا أيضاً.

جسد التميمي يُحتجز في صقيع ثلاجات الاحتلال، وتحريره من كيان العدو لن يكون بالأمر السهل.

ويُشار إلى أن قوات الإحتلال تعتقل قاسم التميمي أيضاً، أخ الشهيد، بتهمة مساعدة شقيقه على الهروب بعد تنفيذ العملية الأولى، ومحاولة تشويش مجريات التحقيق.

على منصات التواصل، تم تداول وصية الشهيد عدي التميمي، التي كتبها بخط يده في 11 تشرين الأول الجاري، وجاء فيها “عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر.. أعلم أنني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً، وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها وأنا واضع هدفاً أمامي، أن تُحرك العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي”.

قبل وفاته بأيام، كتب التميمي على حسابه على موقع “فيسبوك”: “لم ولن نخشى عواقب أي شيء، الويلُ لمن يعتقد أننا إنتهينا”.

عُدي لم ينتهِ، واختار أن يكون حياً في آلاف الفلسطينيين، فيرسم لهم خريطة الطريق من بعده.

يقول الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني قبل إستشهاده، في عملية إغتيال دبرها جهاز “الموساد” الإسرائيلي، حيث قال مُمجداً موت عدي ومن مثله “لا تمُت قبل أن تكون ندّاً”، فكما نهج الحياة إختيار، يمكن للموت أن يكون كذلك.