/محمد حمية/
نجح السفير السعودي في لبنان وليد بخاري بنسف العشاء المرتقب في السفارة السويسرية مساء غد، وعلى مائدته ممثلي الكتل النيابية الأساسية، وبذلك قطع الطريق مبكراً على أي لقاء أو مؤتمر تسعى سويسرا لجمع اللبنانيين على طاولته في أعقاب الأزمة الرئاسية، علّها تنتج اتفاقاً يكون بمثابة “طائف جديد” بديل عن اتفاق الطائف الذي رعته السعودية على مدى العقود الثلاثة الماضية، وحصّنت موقعها السياسي تحت ظلاله.
لماذا سويسرا؟
تشتهر الدولة السويسرية بمبادراتها التوفيقية بين الأطراف الداخلية في النزاعات الداخلية، وقد سبق واستضافت مؤتمرين للحوار الوطني: الأول في جنيف بين 31 تشرين الأول و4 تشرين الثاني عام 1983، والثاني في لوزان بين 12 و20 آذار من العام 1984.
تتميز سويسرا بنظامها الفيدرالي.. وقد يكون لديها مصلحة بتعميم هذا النموذج السياسي في الحكم إلى دول أخرى تعاني من تفكك وانقسام طائفي أو عرقي أو قومي، وقد تكون “الفيدرالية” بنظر سويسرا “الوصفة السحرية” لحل الأزمة السياسية والعلاج الناجع لاستئصال داء الطائفية في لبنان.
سريعاً استشعرت السعودية خطراً على اتفاق الطائف، “الوديعة” التي استولدت ونمت وعاشت في كنف معادلة السين ـ السين الاقليمية والتغطية الأميركية دولياً. تخشى “المملكة” أن تنجح سويسرا، وبمباركة أوروبية وفي لحظة انشغال فرنسي وغض طرف أميركي أو ربما مباركة أميركية، من جذب الأطراف اللبنانية الى حلبة الحوار والتفاوض لانتاج تسوية تلاقي المتغيرات الإيجابية المؤثرة على لبنان.
“قرون الاستشعار” المتمركزة في اليرزة، تحسست خطراً يتأتى من أقاصي أوروبا، بأن تفقد آخر الضمانات لشراكتها في النظام اللبناني، ليس سياسياً فحسب، بل دستورياً، وفي إنهاء الحرب اللبنانية وتأسيس الجمهورية الثانية، لا سيما بعدما فقدت أحد أهم ضماناتها وودائعها السياسية المتمثلة بآل الحريري، أكان الرئيس رفيق الحريري منذ العام 1992 الى 2005 أو الرئيس سعد الحريري ومن مثله منذ الـ2005 حتى احتجازه في العام 2017.
تدرك السعودية أن العشاء لن يكون صالوناً سياسياً للتسلية و”صف” كلام، بل يملك خلفية تاريخية وأبعاداً سياسية بقدرة العاصمة السويسرية على جذب المتنازعين الى ساحتها المشهورة بعقد المؤتمرات، وقد تنجح بعقد مؤتمر لبناني على ضفاف جملة متغيرات إقليمية ودولية وجملة مؤشرات ايجابية.
تعتقد السعودية أيضاً أن أي مؤتمر آخر سينسف “الطائف”، أو سيؤدي الى تعديله بالحد الأدنى، وأن أي تعديل سيكون على حساب السنّة في لبنان لصالح الشيعة الذين امتلكوا فائض قوة من رحم الأحداث والحروب والحلف الاقليمي السوري – الإيراني في العقد الأخير، مقابل فائض الضعف والفراغ على مستوى الطائفة السنية الذي خلفه تشظي الزعامة الحريرية الى مراكز قوى متعددة وضعيفة، وتشظّي القوى السنية في الاقليم، وتراجع المحور الذي تنتمي اليه المملكة، الأميركي ـ الاوروبي ـ الخليجي، لا سيما بعد انكفاء الأميركيين عن المنطقة تدريجياً بسبب الحرب الروسية الاوكرانية، وبالتالي سيعبث بالتوازنات السياسية والطائفية في لبنان، وستفقد المملكة آخر مراكز ومواطن نفوذها في لبنان، وهي لم تتخلص للتو من هاجس “مشروع المثالثة” وإن أعلن “حزب الله” رفضه مرات عدة. ولذلك سارعت الى التموضع السياسي في “الخندق الطائفي” عبر جمع النواب السنة تحت لواء دار الفتوى وظلال “المملكة”.
تخشى السعودية من أن تكون سويسرا التقطت المؤشرات الايجابية التي ارتسمت على سطح المشهد الداخلي بـ”قلم” ترسيم الحدود البحرية، وتفاهم تقاسم الثروة النفطية بين لبنان والاحتلال الاسرائيلي، والاجواء الايجابية التي رافقتها مع تقدم المفاوضات على خط واشنطن ـ طهران حول الملف النووي الايراني، لتقطف سويسرا “ثمرة التسوية” اللبنانية. وزادت الخشية السعودية من أن تكون “تسوية العراق” باستيلاد رئيس للجمهورية ورئيس الحكومة خلال أسبوع إحدى ثمرات هذا الحوار الاميركي ـ الايراني، وقد تكون التسوية اللبنانية بانتخاب رئيس للجمهورية بوقت قريب وتأليف حكومة جديدة الثمرة الثانية.
وتنظر المملكة بعين القلق الى العلاقة المتردية والمتوترة مؤخراً مع الأميركيين بسبب مشاركة السعوديين بخفض انتاج النفط، بعكس الارادة الأميركية، ما دفع بواشنطن للاعلان أنها ستعيد النظر بعلاقتها بالسعودية.
أجهض السفير السعودي “عشاء السفارة” قبل أن يولد.. تغريدة نارية للسفير السعودي عن “الطائف”، دفعت بممثل حزب “القوات اللبنانية” (حليفة السعوية) النائب ملحم رياشي لإعلان عدم تلبية الدعوة، وكذلك النائب وضاح الصادق المحسوب على السعودية والذي هدد بفرط عقد تكتل التغيير. أما السفير السعودي فأكمل حربه على لقاء السفارة بجولة على الرئيسين ميشال عون ونبيه بري محذراً من مغبة العبث بالطائف.
هذا التوتر الديبلوماسي والسياسي دفع بالسفارة السويسرية لتأجيل اللقاء الى موعد غير محدد.