/ غاصب المختار /
ليس أسوأ من السياسية اللبنانية سوى السياسيين الذين صنعوها وأربكوا أنفسهم، وأربكوا البلاد في حساباتهم الخاصة الحزبية والطائفية والادارية، وفي النكد الذي اعتمدوه ضد بعضهم، من دون الالتفات إلى مصالح البلاد والعباد، لدرجة أن مسألة وطنية واستراتيجية كبيرة وخطيرة، كترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، أدخلوها في “سياسة النكد وتمريك المواقف وتسجيل النقاط”، كما سواها من مسائل أساسية تهم معيشة الناس ومصلحة الدولة والخزينة والإدارة العامة وانتظام مسار المؤسسات الدستورية والرسمية، عدا مسألة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم التي أقرت كل القوى السياسية تقريباً بضرورتها.
ويعرف الجميع أن مسألة ترسيم الحدود خضعت لضغوط وابتزازات ومساومات أميركية كبيرة، تبدأ من وقف حفريات شركة “توتال” في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، ولم تنتهِ بوضع العراقيل منذ سنة أمام استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، على الرغم من الانتهاء من كل الترتيبات اللازمة لذلك، مروراً بسيف العقوبات المسلط على لبنان في حال قرر الاستعانة بالدول المشرقية الصديقة، كروسيا والصين وإيران، لتزويده بالكهرباء أو الفيول، أو حتى بناء معامل انتاج كهرباء بكلفة متدنية.. وصولاً إلى فرض خط الحدود البحرية، مع تسليم الكثيرين أن حدود لبنان البحرية بشكل عام هي حدوده مع كل بحر فلسطين المحتلة، وفي أقل الحالات حدود الخط 29.
ويعرف الجميع أن بعض القوى السياسية اللبنانية ساهم في تضييق الخناق على جمهوره وشعبه بتبني السياسات الاميركية والغربية عموماً على الرغم من ظلمها، من أجل إضعاف مواقف وحركة ومساعي الطرف الآخر الذي عمل من أجل إنهاء ترسيم الحدود، وإجراء الاصلاحات البنيوية المطلوبة في الاقتصاد والإدارة والمالية العامة، ومكافحة الفساد، وتصحيح مسار القضاء عبر تكريس استقلاليته بالقانون والممارسة.
والمفارقة أن “التسهيلات” حضرت فجأة بعد موافقة لبنان على تفاهم ترسيم الحدود وفق التوجه الاميركي العام الذي أقر على لسان الوسيط آموس هوكشتاين بأن طرفي التفاهم لم يحصلا على كل ما يريدانه، وباشرت فرقة الاعتراض والمعارضة المستجدة التهليل للاتفاق بعد الرضى الاميركي والأوروبي عنه، وهو تفاهم ما كان ليتم ولم يحصل لبنان على معظم مطالبه وحقوقه، لولا تضافر جهود المفاوضين الرسميين، يعني الدولة، والجيش، و”المُسيّرات” فوق حقل كاريش ومنصة شركة “انيرجين باور” فيه، والكل يعرف ما يعني هذا التضافر بين المعادلة الثلاثية الوطنية.
المهم الآن ما بعد حصول التفاهم. كيف سيباشر لبنان، بعد التوقيع المرتقب خلال فترة قريبة، في استغلال ثروته الغازية والنفطية؟ وكيف سيتعاطى المسؤولون، المعتادون على تقاسم الحصص والمغانم، مع ثروة الشعب اللبناني الجديدة، بعدما طيّروا ثروته في المصارف وفي حلقات الفساد؟
هل سيتم انشاء الصندوق السيادي للثروة الوطنية؟ ومن الذي سيتولى تعيين مسؤولي هذا الصندوق؟ ووفق أي معايير وشروط ونظام إداري يُفترض أن تكون مستقلة عن نظام المحاصصة ووضع يد السياسيين عليها؟ ثمة مخاوف مشروعة من سرقة بعض هذه الثروة وتحويلها “بطريقة قانونية” إلى جيوب السياسيين والمتنفذين والمحاسيب.
أليس مجلس الوزراء المُقرّر في هذه المسألة هو نسخة مصغرة عن تركيبة المجلس النيابي، الذي هو نسخة تمثيلية للقائمين على نظام المحاصصة والفساد؟ وما هي الضمانة أن يحترم هؤلاء شعبهم ولو لمرة واحدة ويقوموا بعملية إنقاذ شاملة لانتشاله من قعر الهاوية التي ألقوه فيها؟