تصوير عباس سلمان

“وثيقة هوكشتاين” بين “التفاهم” و”المعاهدة”.. من يُنقّب عن التطبيع؟

/محمد حمية/

قبل أن يبلغ تفاهم ترسيم الحدود خواتيمه النهائية، انطلق نقاش في الأوساط السياسية والإعلامية تحوّل الى جدال، حول طبيعة الوثيقة التي قدمها الوسيط الأميركي للجانبين اللبناني والإسرائيلي، ومفاعيلها القانونية.. هل هي تفاهم بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي على تقاسم المساحة الاقتصادية الخالصة في المياه الإقليمية؟ أم هي اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وبالتالي معاهدة بين طرفين لحل نزاع حدودي؟

عقدة دستورية قد تُعكّر صفو التوافق الوطني، تتمثل بإلزامية توقيع الدولة اللبنانية على التفاهم حول الحدود الاقتصادية أم لا.. ومَنْ هي الجهة المعنية بالتوقيع؟ هل رئيس الجمهورية؟ أم الحكومة ورئيسها؟ أم بحاجة إلى إبرام من مجلس النواب؟ أم الأطراف الثلاثة؟ وهل يندرج التفاهم ضمن المادة 52 من الدستور؟

ينقسم الخبراء القانونيون والسياسيون بين وجهتي نظر: الأولى تعتبر أن الوثيقة الأميركية هي اتفاقية ومعاهدة دولية، تندرج ضمن اتفاق فيينا للعلاقات الدولية، وبالتالي ضمن المادة 52 من الدستور  التي تنص على التالي: “يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب”.

ويستند هؤلاء الى هذه المادة للتأكيد على أن الدولة ملزمة بالتوقيع على أي تفاهم على تعديل الحدود، وعرضه على مجلس النواب، كونه يرتب مترتبات مالية. والسؤال: إذا لم يندرج هذا التفاهم ضمن المادة 52، فلماذا إذاً تولى رئيس الجمهورية المفاوضة عبر ممثله نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب؟

وفي المبدأ، كون الوثيقة الأميركية هي تعديل للحدود البحرية اللبنانية، فإنها تحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية والحكومة، وكذلك مجلس النواب، كونها ترتب مفاعيل مالية متأتية من عائدات استثمار الثروة النفطية والغازية. وطالما أن موظف فئة أولى يتطلب موافقة ثلثي مجلس الوزراء، فكيف بتعديل الحدود؟

لكن في المقابل يمكن القول أيضاً أن التفاهم على الحدود الاقتصادية البحرية، هو تثبيت وتكريس للحدود والحقوق اللبنانية عبر مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، وبرعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، وبالتالي لم يوقع أي اتفاقية تعاون أو تنسيق أمني أو اقتصادي وتجاري ناتجة عن مفاوضات مباشرة لكي تتحول الى معاهدة دولية. ما يعني أن لبنان غير ملزم بالتوقيع على وثيقة مشتركة مع إسرائيل, بل وفور موافقة الجانبين على حدود كل منهما، يكفي أن توقع الدولة اللبنانية مرسوم تعديل حدودها البحرية وترسله الى الأمم المتحدة مدعماً بالخرائط والوثائق، مقابل أن ترسل إسرائيل بدورها رسالة الى الأمم المتحدة تتضمن تحديد المنطقة الاقتصادية التي تزعم أنها عائدة لها داخل فلسطين المحتلة.

واستناداً على ما تقدم، فإن التفاهم المتوقع حصوله، أياً كان، هو تعديل للحدود البحرية، ويستوجب صدوره بمرسوم يتخذ بمجلس الوزراء ويوقعه وزيرا الأشغال والدفاع ورئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، ويعرض على مجلس النواب من باب صفته الرقابية على أعمال وقرارات الحكومة، ولو لم يتطلب توقيعه أو تصديقه.

لكن بعض الجهات السياسية التي تطرح توقيع الوثيقة من السلطات الثلاث، انطلاقاً من المادة 52، هي في حقيقة الأمر تنقّب عن التطبيع في متن الوثيقة، لتحقيق أهداف سياسية مبيتة:

* إظهار التفاهم على أنه اتفاقية تطبيع اقتصادي، كمقدمة لمعاهدة سلام مستقبلاً، كونه سيحقق الاستقرار والأمن على طول الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة لفترة طويلة. ولذلك يجري التركيز الإعلامي على بند اقتطاع الاحتلال نسبة من الأرباح بعد استثمار الثروة المتوقعة في حقل قانا عبر اتفاق مع شركة توتال الفرنسية، وهذا يمنح الأميركي فرصة تظهير التفاهم على أنه “شبه تطبيع” جرّ لبنان إليه مع إسرائيل، وبالتالي يخدم الرئيس جو بايدن في انتخاباته النصفية بكسب ود وتأييد اليهود الأميركيين، ويمنح رئيس حكومة الاحتلال فرصة صرف هذا التفاهم في الداخل وتوظيفه في الانتخابات للعودة الى رئاسة الحكومة.

* التخفيف من وهج الانتصار الذي حققته المقاومة باستخدام سلاحها في دعم موقف الدولة وموقعها التفاوضي، وتشويه الموقف اللبناني الموحد بشبهة التطبيع.