/محمد حمية/
بعدما وضعت جلسة الخميس أوزارها، وكشفت أحجام الكتل النيابية وتموضعاتها وخططها، تتجه الأنظار الى جولة الانتخاب الثانية، وما ستحمله الأيام الفاصلة من مشاورات ومفاوضات ومتغيرات داخلية وخارجية قد تلقي بثقلها على الجلسة المقبلة.
لم تكن مواقف الكتل والنواب ونتيجة الجلسة، مفاجئة، لكنها كانت جلسة اختبار النوايا ورسم موازين القوى استعداداً لمخاض التفاوض، ورسملتها في سوق التداول بالمرشحين للتوصل الى رئيس توافقي.
لا شك أن مواقف الكتل ستتغير تدريجياً خلال الجلسات المقبلة، وفق الحسابات السياسية والمتغيرات المتوقعة على المستويين الداخلي والخارجي.
فما هي خريطة المواقف المتوقعة في الأيام والاسابيع المقبلة؟ وهل ستؤدي الى استيلاد رئيس للجمهورية قبيل نهاية ولاية الرئيس الحالي ميشال عون؟ أم تسبق الحكومة وصول الرئيس الى بعبدا؟ أم يسبقهما ترسيم الحدود؟ أم تتزامن الاستحقاقات الثلاثة؟
اختبرت الكتل في جلسة الانتخاب الأولى قواها والتزامات بعضها البعض، فقدمت بعض الأطراف براءة ذمة لأطراف في الداخل ولمرجعياتها في الخارج.
حزب القوات اللبنانية نفذ وعده للنائب ميشال معوض بأنه سيرشحه الى الرئاسة إذا انفك عن تكتل “لبنان القوي”، على أن تنتقل معراب الى “الخطة ب” بتأييد مرشح آخر. وكذلك الأمر بالنسبة للكتائب الذي أعلن رئيسه سامي الجميل مبكراً بأن لا حل إلا بالتسوية على رئيس توافقي.
أما رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط فسار وفق ما تشتهي السفن السعودية بميشال معوض ليتيح للمملكة معرفة حجمها النيابي الممكن، واكتشاف مدى قرب معوض من بعبدا، لكن حجم الأصوات المتواضع الذي نالها الأخير سيتيح لجنبلاط التحرر من قيود معوض ويقول للسعودية والأميركيين بالفم الملآن: “مشينا بمرشحكم وما قدرنا نربح فيه.. شو منعمل؟ لا بد من التسوية مع الطرف الآخر”، وهذا ما أوحى إليه النائب تميور جنبلاط بدعوته الجميع لتكثيف الجهود لتحقيق أوسع تفاهم لانتخاب الرئيس المقبل.
لكن اللافت هو عدد النواب السنة الضئيل الذي ناله معوض المدعوم من السعودية، والمؤكدين هم: أشرف ريفي وعماد الحوت وبلال الحشيمي، علماً أن الذين حضروا لقاء السفارة السعودية بلغوا العشرين نائباً!.
وكذلك فإن عدد الأصوات التي نالها معوض أظهرت عدم صحة أكثرية الـ67 صوتاً التي تحدث عنها جعجع قبل ايام من الجلسة، وتبين أنها 40 نائباً فقط عبارة عن 36 زائد 4 نواب تغيبوا عن الجلسة. ما يتيح لجعجع التنصل من دعم معوض بذريعة أن العدد لازال بعيداً عن الأكثرية العادية 65 نائباً، فكيف بنصاب الثلثين الـ 86؟ وهذا ما مهد له النائب جورج عدوان بعد انتهاء الجلسة بقوله: “لا بد من الحوار مع حزب الله والآخرين لانتاج رئيس”.
حافظت قوى التغيير الـ13 على وحدتها بالتزام التصويت للمرشح سليم اده، باستثناء غسان سكاف الذي صوت لمعوض، وسينتيا زرازير التي صوتت لمهسا أميني، ولم يؤدِ تمايزها عن بقية الكتل الى خسارة طالما نتيجة الجلسة معروفة سلفاً بأنها لن تنتج رئيساً، وبالتالي أي ضغط واصرار خارجي على مجموعة الـ 13 للتصويت لمعوض فسيؤدي الى تشظيها، فكان المطلوب أن تبقى كتلة متراصة تمهيداً للجولة المقبلة.
لجهة تكتل النواب المستقلين الـ12 صوت منهم 10 لـ “لبنان”، وغاب عنهم النائب ابراهيم منيمنة، وخالفهم النائب بلال الحشيمي الذي التزم القرار السعودي بالتصويت لمعوض.
وفيما بدا تحالف القوى المتحالف مع الأميركيين والسعوديين والفرنسيين هشاً ومشتتاً بين عدة مرشحين، ظهر تحالف الثنائي أمل وحزب الله متماسكاً ويدير اللعبة بجدية ودهاء ولو أنه لا يستطيع تأمين نصاب الثلثين من دون الاتفاق مع فريق القوات والتغييريين أو الاشتراكي. واللافت هو موقف التيار الوطني الحر الذي أوحى بتقارب ضمني مع الثنائي بالتصويت للورقة البيضاء التي كانت نجمة الجلسة بعداد 63 الأقرب لأكثرية الـ 65 ولنصاب الـ86. لذلك هذا الرقم سيدفع كتلاً ما للانفكاك عن عداد الـ 36 صوتاً واستدراج العروض مع تحالف الورقة البيضاء للتفاوض على مرشح توافقي. لكن القطبة المخفية كانت بإخفاء الثنائي مرشحهما سليمان فرنجية لكي لا يكون مرشح التحدي المقابل لمرشح الفريق الآخر (ميشال معوض)، ما يقطع الطريق على جعجع أو جنبلاط لطرح معادلة حرق المرشحين والبحث عن مرشح توافقي، وبالتالي بقي فرنجية في ملعب السباق وسيكون التفاوض معه وعليه في الجولات المقبلة، فيما حظوظ انتقال معوض للجولة الثانية والثالثة ضئيلاً.
وكما أن حزب الله لن يغامر بالذهاب الى رئيس توافقي مع جنبلاط وقوى التغيير والمستقلين على حساب التيار الوطني الحر، فإن النائب جبران باسيل لن يحرق مراكبه مع الثنائي ويترك الـ 63 صوتاً الكتلة الناخبة الاكبر ويراهن بتسوية على مرشح مع جنبلاط أو القوى المسيحية، وسينتظر تبلور حظوظ فرنجية، فإذا تمكن الثنائي مع جنبلاط وقوى التغيير والمستقلين من تأمين اكثرية كبيرة وتحتاج الى أصوات تكتل التيار الوطني الحر لكي يصل فرنجية للرئاسة، فقد يسير بهذه التسوية ليبدأ التفاوض مع فرنجية على شروط المرحلة المقبلة. ولذلك سيترقب الثنائي هذه اللحظة، وإن رفض باسيل فسينتقل مجبراً الى الخط “ب”، أي المرشح التوافقي.
ويبدو أن جنبلاط ينتظر كلمة السر من مكانين للسير بفرنجية: الأول، من عين التينة ليبلغه موافقة باسيل على فرنجية. والثاني من الخارج الأميركي ـ الأوروبي ـ السعودي، كي يعطيه الضوء الأخضر للسير بالتسوية، كون الأميركيين أسروا لمسؤول رسمي زار واشنطن مؤخراً بأنهم يريدون رئيساً للجمهورية يعرف كيف يخاطب ويتفاوض مع حزب الله وفق ما تشير المعلومات.
الاحتمال الأكبر أن لا نرى رئيساً في بعبدا قبل 31 تشرين مع النتائج غير الحماسية التي أظهرتها جلسة الخميس، اضافة الى الانتظار السياسي لنتائج الطعون النيابية التي سيصدرها المجلس الدستوري في منتصف الشهر الجاري، موعد بدء استخراج الغاز من “كاريش”. ولذلك تقدم الملف الحكومي الى الواجهة، ودخل ملف الترسيم في خواتيمه النهائية قبل حلول موعد خطر الحرب، ما يعني أن تأجيل الرئاسة واقتراب الترسيم سيسهلان التأليف تجنباً لدخول الشغور بحكومة بتراء وعرجاء دستورياً، وبالتالي احتمالات تأليف حكومة وتوقيع الترسيم مرتفعة في الشهر الجاري ويستبقان “ولادة الرئيس”.