تركيا.. هل هناك منتصف الطريق بين “الناتو” و”شنغهاي”؟

/ دايانا شويخ /

هل حقا تقف “منظمة شنغهاي” عسكرياً في وجه “الناتو”؟

يتخيّل للبعض أن “منظمة شنغهاي” التي تضم نصف سكان العالم تقريباً، هي الوجه العسكري المقابل لحلف “الناتو”. إلا أن هناك عوامل عدة تحول دون ذلك، فالحلف “الشرقي”، الذي يضم قوى عظمى كالصين وروسيا والهند ومؤخراً إيران، يشكل حلفاً اقتصادياً قوياً يهدف إلى إعادة النظر بالهيمنة الغربية وتشكيل قوى اقتصادية ونظام تجاري يحكم العالم من منظور مختلف، بديلاً عن التحالفات العسكرية التي ترأسها الولايات المتحدة والدول الغربية. ويرى أعضاء “منظمة شنغهاي” أن المنظمة هي اتحاد قوي ومستقل يغيّر وجه الهيمنة العالمية، بعيداً عن الحلف العسكري، وهذا ما يجذب الدول الأخرى إلى الانضمام للمنظمة، على غرار تركيا، التي أصبحت شريك حوار للمنظمة عام 2012، والتي تسعى إلى جانب عضويتها في حلف “الناتو” أن تكون جزءاً من هذا التحالف الاقتصادي الذي سيغير موازين القوى في العالم.

تركيا “خط التماس” بين “شنغهاي” و”الناتو”

شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القمة الثانية والعشرين لـ”منظمة شنغهاي” للتعاون في مدينة سمرقند الاوزبكية، وقد صرح أردوغان أن تركيا تسعى إلى تطوير علاقاتها مع المنظمة في السنوات القادمة، هادفة بذلك إلى الانضمام إليها.

وتعتبر تركيا، التي شاركت بصفة محاور في القمة، أن سعيها للانضمام إلى المنظمة لا يتعارض مع عضويتها في حلف شمال الاطلسي “الناتو”. إلا أن بعض الدول، من كلا الطرفين، ترى أن على أنقرة التخلي عن عضويتها في “الناتو” مقابل الانضمام الى المنظمة، خاصة مع الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين. وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتس في محادثة أجراها مع الرئيس أردوغان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، عن استيائه من رغبة تركيا في الانضمام الى المنظمة. فما الذي تضيفه “شنغهاي” الى تركيا بمعزل عن حلف “الناتو”؟

 تركيا “قوة عالمية”

يرى بعض المحللين أن سعي تركيا للانضمام إلى عضوية “شنغهاي”، هي ورقة تستخدمها أنقرة ضد الغرب، ومشاركتها في القمة في هذا التوقيت تحمل رمزية، في الوقت الذي تواجه علاقات أنقرة أزمة مع الدول الغربية، وخاصة لجهة عدم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بعد. إلا أن أردوغان اعتبر خلال مقابلة تلفزيونية أن سعي تركيا للانضمام كعضو في “منظمة شنغهاي” يعود لجهة أن تركيا وضعت نفسها كقوة عالمية وليست دولة غربية أو شرقية. واعتبر أردوغان في وقت سابق أن “منظمة شنغهاي قطعت أشواطاً كبيرة في مجالات الأمن والاقتصاد والتجارة، حيث تغطي دول المنظمة 60 في المئة من منطقة أوراسيا، بعدد سكان يقدر بـ3.2 مليار، وبحجم اقتصادي يبلغ 20 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريباً حجم الاقتصاد الاجمالي لكل من أميركا والصين.

وترتبط تركيا بـ”منظمة شنغهاي” للتعاون منذ عام 2012 بصفة شريك محاور. وترى في سعيها للعضوية الكاملة أن تمنحها علاقات اقتصادية أقوى لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، بخاصة قبل انتخابات العام المقبل.

هل تتجه تركيا شرقاً؟

أبدى أردوغان رغبة بلاده في تطوير العلاقات مع “منظمة شنغهاي”، وأشار إلى أن القمة المقبلة قد تشهد تطورات في ما يتعلق بمنح تركيا العضوية الكاملة. وبناءً عليه، هل يمكن أن تتجه تركيا شرقاً بالرغم من تحالفاتها الغربية وعضويتها في حلف “الناتو”، أم أنها تسعى إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية مع المنظمة بمعزل عن تحالفها العسكري مع الغرب.

تلعب تركيا دوراً هاماً في حلف شمال الاطلسي منذ انضمامها عام 1952 إلى اليوم، وتمتلك ثاني أكبر جيش فيه بعد الولايات المتحدة. وتُعدّ تركيا من البلدان الأكثر إسهاماً في مهام حلف “الناتو”، حيث ساهمت في مهمات عدة للحلف في مناطق مثل أفغانستان والبحر الاسود والبحر المتوسط، كما تُعد من أكثر الأعضاء مساهمة في ميزانية الحلف. وبالرغم من التوترات التي تشهدها العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، إلا أنها لن تتخلى عن عضوية الحلف العسكري مقابل عضويتها في شنغهاي. فمنظمة شنغهاي ستمنح تركيا التعاون في مجالات مثل الأمن والاقتصاد والطاقة والثقافة مع الدول الاعضاء، إلا أنها لن تكون بديلاً عن حلف الأطلسي والاتحاد الاوروبي الذي تشكل صادرات تركيا إليه 44.5 في المئة من إجمالي صادراتها، كما تبلغ الواردات من الدول الأعضاء بالاتحاد 38 في المئة من إجمالي وارداتها، في حين تبلغ نسبة صادرات تركيا إلى دول منظمة شنغهاي 6 في المئة من إجمالي صادراتها، أما الواردات فتبلغ 25.7 في المئة. هذه الأرقام تبين أن حجم التبادلات التجارية لتركيا مع الغرب لا يمكن الاستهانة به، ودفع تركيا عن التخلي عن علاقاتها مع الغرب لتتحالف مع منظمة أخرى، بل يمكن لتركيا أن تكون شريكاً في منظمة شنغهاي للتعاون في مقابل حفاظها على عضويتها في حلف “الناتو”.

أين تقع نقطة الترجيح الاستراتيجية؟

تحتاج المقاربة التركية لإثبات العضوية الفاعلة في منظمتين متعارضتين، رغم كون إحداهما اقتصادية وأخرى عسكرية، إلى الاجابة عن سؤالين:

الأول هو حول وجود منطقة وسط بين المنظمتين يمكن لتركيا التموضع فيها، وربما التأسيس لخيار ثالث يجذب سواها إلى هذه المنطقة. والثاني حول وجود نقطة ترجيح استراتيجية في حال غياب المنطقة الوسط تفرض تدريجياً على تركيا، وسائر الدول التي تشبه وضعها، أن تنجذب تدريجياً لتغليب الحضور للانتماء إلى أحد الحلفين على الإنتماء للآخر، ووفقاً لما تقدمه الحرب الأوكرانية من وقائع، بصفتها أهم حروب الغرب بوجه روسيا الركن الأبرز في منظمة شانغهاي إلى جانب الصين، وهي أقرب الحروب العسكرية التي يضع “الناتو” ثقله فيها إلى جانب أوكرانيا لتربح الحرب.

رسمت تركيا دورها كوسيط سياسي وانساني بين الطرفين، الروسي والأوكراني، ورفضت المشاركة بالعقوبات التي فرضتها دول “الناتو” على روسيا. ومع تحول الحرب في جانب رئيسي منها الى حرب اقتصاد، خصوصاً في قطاع الطاقة، تبدو تركيا متمسكة بدور الشريك التجاري لروسيا في هذا القطاع الذي يمثل سلاحاً روسياً بوجه الغرب وخصوصاً أوروبا، ما يجعل من دورها في “الناتو” أقرب للإنتقائي والإختياري، ويظهره حلفاً ضعيفاً عاجزاً عن إلزام عضواً بارزاً فيه بخياراته، أو تخييره بين البقاء والإلتزام أو الإنسحاب من الحلف، بينما يبدو بالمقابل أن الحجم المحدود للتبادل التجاري لتركيا مع دول منظمة شانغهاي مقارنة بدول “الناتو”، فرصة بنظر تركيا وليس تحدياً، لأنه يعني الأفق المفتوح لتعظيم هذا التبادل الذي تبدو مجالاته آخذة في الإتساع، مع التراجع في جاذبية الغرب كشريك اقتصادي في ظل أزمات الطاقة والتضخم، مقابل توسع مجالات التبادل الاقتصادي، واعتماد العملة التركية في هذا التبادل كتعبير عن توجه استراتيجي سيعزز من ثقل حضور العضوية في منظمة شانغهاي على حساب الحضور في الناتو، ولو بقيت شانغهاي غير عسكرية، طالما بقيت تركيا في “الناتو” انتقائية، تفتح الطريق لحلفاء للغرب لسلوك الطريق الذي تعبّده أمامهم، وقد سبقتها باكستان وتتبعها السعودية ومصر.