هل هي مقدمات حرب عالمية ثالثة؟

محمد يونس العبادي (*)

ونحن نتحدث عن الاستقطاب على مسرح السياسة الدولية اليوم، تبرز أسئلة عدّة: هل نحن اليوم نعيش مقدماتٍ أو إرهاصاتٍ لحربٍ عالميةٍ ثالثةٍ؟ هل نحن اليوم أمام حالة استقطاب مألوفةٍ منذ سني الحرب الباردة؟ أم إنّ الاستقطاب الروسي الغربي هو وضع مألوف في العلاقات الدولية، خاصة مع إرث الحرب الباردة.

تبدو هذه الأسئلة مثار جدلٍ، ولكن الجامع بينها، لربما هو حديث الحرب، أو مقدماتها؛ فالجميع يتحدث عن الحرب.

ومن تابع جلسة مجلس الأمن الأخيرة، ورأى كيف غادر وزير الخارجية سيرغي لافروف، احتجاجاً على كلمة وزير الخارجية البريطاني، يدرك بأنّ لا أحدَ يريد أن يسمع الآخر، وبأنّ كل طرفٍ في حرب أوكرانيا، مصرّ على رأيه. فتلك روسيا ترى في أنّ حربها على أوكرانيا مشروعة لحماية القومية الروسية. وهناك في الغرب من يعارضون هذه الحرب، بل ويذهبون إلى أبعد من ذلك، بدعم المناوئين لروسيا بالمال والعتاد والسلاح.

ولربما يصعب صياغة موقفٍ، أو مقاربةٍ، بين الروايتين. فنحن إذن، أمام عالمٍ سياسيّوه لا يريدون أن يصغوا لبعضهم، وكلما صمّت آذان الساسة، أتيحت المساحة لصوت الرصاص، والبنادق، والسلاح. وأخطر ما في هذه الحرب هو السلاح. فنحن بين قوّتين، تملك كل واحدةٍ منهما ترسانةً نوويةٍ، بل وحين تذهب إلى أبعد من التأمل في ما يجري، فإنك تدرك بأنّ كل طرفٍ له وجهة نظرٍ تتجاوز حدود الاستقطاب. فالحديث اليوم عن عالمٍ جديدٍ يتشكل، وهذا ما تدعمه روسيا التي تريد عالماً جديداً، تشارك فيه بحضورها إلى جانب الغرب، وتجلس على مقعد القوى العظمى.

أما في الغرب، فإنّ الخوف هو تغيير النظام الدولي القائم.  والمريب بأنّ كل طرفٍ يستحضر مفردات الحرب العالمية الثانية. تأمّل المفاهيم الشائعة على الألسنة، ومنها: الفاشية، الأوليغارشية، الاستعمار الجديد، وغيرها.

فهل نحن اليوم، نشهد مفاهيم جديدة، وحربٍ طويلة الأمد، أم إنّ المخاوف تمتد إلى الحرب الشاملة؛ ولحظة ذاك نكون أمام أزرارٍ نووية، كان العالم يظن أنها لن تكون سوى أزرار للصدأ، ولكن يبدو أنّ المخاوف تمتد.

والمفارقة هنا، أنّ الكل مستعد لدفع الثمن. فأوروبا تحتمل الليالي الباردة المنتظرة في الشتاء، وتتحضّر لها، وكأنها في حالةٍ حربٍ غير معلنة، وروسيا ذاهبة إلى ما تريده، في أوكرانيا، وها هي تنبري إلى استفتاء المناطق التي تريدها من أوكرانيا.

يبدو بأنه عالمٌ جديد، تتقدمه ظواهر ارتفاع الأسعار، ومقدمات شحّ المواد الغذائية، نتيجة تعثر سلاسل الإمداد، وأزمات الطاقة التي بدأت تضرب أوروبا، وتترقبها باقي دول العالم غير المنتجة للنفط والغاز، بخوفٍ أو بحذر.

وعلاوة على هذه الظواهر، يتقدم السلاح النووي عناوين الأخبار التي تجيء من الشرق والغرب. فبعد ساعاتٍ من حديث بوتين للتلفزة الروسية عن إمكانية استخدام أيّ سلاحٍ لحماية أراضي روسيا، وهو حديث يمهّد للاستفتاء، في المناطق التي ستُضم إلى روسيا، ردّ الرئيس بايدن قائلاً: لا تفعل (ثلاث مراتٍ)، وكأنه يدرك خطورة هذا الاتجاه.

ويبدو بأنّ ضمّ مناطق أوكرانيةٍ إلى روسيا سيغيّر من قواعد اللعبة. فإذا ما كانت المحظورات سابقاً هي عمق الأراضي الروسية، وهي ما التزم به الغرب، فإنّ روسيا اليوم، تضع ما تريد ضمّه من أراضي الشرق الأوكراني، ضمن معادلة المحظورات، بالنسبة للغرب الداعم لكييف.

هي مقدمات حربٍ عالميةٍ، ولكنها ما تزال ضمن حدود أوكرانيا، فالصراع اليوم طاحن بين موسكو وحلفائها من جهةٍ، وواشنطن والاتحاد الأوروبي، وحلفائهم من جهة أخرى.

وإذا ما كانت الحرب العالمية الثانية، قد أفضت إلى ما نعيشه اليوم من نظامٍ دوليٍ، فإنّ أثمانها كانت مرتفعة، أو كما قالها تشرشل مع نهاية هذه الحرب: “أوروبا ما بعد الحرب باتت كومة من الأنقاض، ومقبرة، وأرضاً خصبة للأوبئة والكراهية”. والخشية اليوم، أنّ تكون مقدمات الكراهية، هي ملامح سيناريو، نرجو من الله أن لا يكون…!


(*) المدير العام السابق للمكتبة الوطنية في الأردن