هَربوا من جحيمِ الارضِ فابتلعَهم ماءُ البحر، وغَرِقت احلامُهم التي اَبحروا عليها للوصولِ الى عالمٍ اقلَّ ظلماً مما يعيشون، فكانت المأساةُ التي عَصَفت بالعشراتِ من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، اطفالاً ونساءً وشباباً، غادروا الشواطئَ اللبنانيةَ قبلَ ان يعودوا صرعى الى شاطئِ طرطوس السورية..
كانوا منسيينَ بينَ اكوامِ الازماتِ اللبنانية، فقَرروا الانتفاضةَ على واقعِهم المرير، هربوا من الموتِ اليه، فلاقاهم في قلبِ البحر، ومنعَهم من الوصولِ الى من تسببَ بمعاناتِهم ، من دولٍ اوروبيةٍ وسيدِها الاميركي، الذين عاثُوا خراباً بالمنطقةِ وشعوبِها، ورمَوْها على قارعةِ الفقرِ والازماتِ بفعلِ الحروبِ والحصارِ وبمساعدةٍ مِن ادواتِهم التي تتحكمُ بالبلادِ والعباد..
وليسَ غريباً انَّ الذينَ لم يَسمعوا انينَهم وهُم احياء ، اَن لا يَسمعوا بمأساتِهم وهم اموات، فكأنَ الدولةَ اللبنانيةَ غيرُ موجودةٍ وكأنَ هذه المأساةَ لا تَعنيها، حتى استفاقت ظهرَ اليومِ للمتابعة، تاركةً وزيرَ الاشغالِ علي حمية يسابقُ منذُ ليلِ الامسِ بحثاً عن مساعدة، تَواصلَ معَ الجهاتِ السوريةِ من وزيريِّ النقلِ والصحةِ الى الهلالِ والصليبِ الاحمرينِ والمعنيينَ لنقلِ الجثثِ والجرحى ومتابعةِ البحثِ عن المفقودين والغرقى..
انها الدولةُ الغارقةُ في ازماتِها، العاجزةُ عن احتضانِ ابنائها او حتى التخفيفِ من آلامِهم واوجاعِهم، او حتى ملاحقةِ قاتلِيهم من اصحابِ مراكبِ الموتِ الذي يُنظِّمونَ الهجرةَ على قواربَ غيرِ صالحة.. دولةٌ لا تقولُ للمسبِّبِ الاولِ بقتلِ هؤلاء – اي كلِّ من يحاصرُ بلادَنا ويَعبَثُ بها حرباً ودماراً سياسياً او عسكرياً او اقتصادياً – لا تقولُ لهم حتى كلمةَ كفى ..
كفى استغلالاً للموتِ ونفخاً ببوقِ الفتنة، عبارةٌ ردَّدَها الايرانيون الذين ملأوا المدنَ الكبرى بالهتافاتِ والقبضاتِ الرافضةِ لاستهدافِ الجمهوريةِ الاسلاميةِ الايرانيةِ وسيادتِها واستقلالِها واستقرارِها.. عبارةٌ ردَّدَها الملايينُ ضدَّ مثيري الشغَبِ من منفعلينَ او متواطئينَ داخليينَ ومحرضينَ خارجيينَ عَجَزوا عن اخضاعِ الجمهوريةِ الاسلامية ِبالحصارِ وفي ميدانِ المفاوضات، فعاودوا الكَرَّةَ مُجدداً باشعالِ فتنةٍ داخليةٍ طالما اطفأَها الايرانيونَ بكلِّ حكمةٍ ومسؤولية.
وصار للموت منصَّة في لبنان … غرقُ مركبٍ يُقلّ عشرات الهاربين من جحيم لبنان ، لم يعد حدثُا ، بل أصبح ، وللأسف ، خبرًا عاديًا من كثرة تكراره .
أصبح الإبحار مع منسوبٍ عالٍ من المخاطرة لا يخيف مَن يركبون هذه المخاطرة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، وفيما اكتُشف أحدث قاربٍ للموت، قد يكون هناك قارب آخر ، أو أكثر ، في عُرضِ البحر ، ولا يعرف مصير أي قارب إلا في حالةٍ من اثنين: إما أن يصل إلى شاطئ أمان في تركيا أو اليونان أو إيطاليا ، وإما ان يعود الركاب إلى الشاطئ اللبناني ولكن جثثًا ، وهذا ما حصل بالنسبة إلى القارب الأخير ، ولا يُعرف ما إذا كان الأخير.
ماذا ينفع أن نحصي الضحايا والناجين، فمَن لم يركبوا قوارب الموت بعد هُم ضحايا أيضا ، وإذا ركبوا قوارب الموت هو مشاريع ضحايا .
إذا كان في الجنوب مشروع ترسيم ، فإن في الشمال خط ترسيم بين الحياة والموت ، يخطُّه يائسون من الحياة في لبنان ، ويعرفون أن الخروج من اليأس قد يرميهم في فم الموت، لكنهم يخاطرون وكأن لسان حالهم يقول : ” كلها موتة ، سواء على اليابسة او في البحر”…. إنها المأساة.
في السياسة، غدًا يعقد اللقاء المنتظر للنواب السنة في دار الفتوى، والمراقبون ينتظرون ما سيصدر عنه خصوصًا لجهة الاستحقاق الرئاسي ولجهة موقع رئاسة الحكومة.
والمعروف ان هذا اللقاء سبقته سلسلة من الاتصالات والاجتماعات والزيارات، ومنها زيارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لدار الفتوى، كما أنه يأتي بعد البيان الاميركي الفرنسي السعودي ، البالغ الأهمية ، والذي يحدد الاولويات ، من انتخاب رئيس للجمهورية إلى تشكيل حكومة تتولى انجاز الاصلاحات.
الملف السياسي ليس وحده الشغل الشاغل: قضائيًا ، القضاة سيواصلون اعتكافهم ، ويبدو أن المصارف ستبقى مقفلة ، فيما الاهتراء في سائر القطاعات متواصلٌ ايضًا.
هزَّت مأساة قارب الموت المتكررة لبنان مجدداً من أقصاه إلى أقصاه، أسفاً على أرواح الضحايا، وغضباً من الأوضاع التي دفعت بهم إلى الخيار القاتل، وسؤالاً متجدداً عن المسؤوليات في الحدِّ من هذه الظاهرة التي يتسبب بها مجرمون يغشّون الأبرياء ويرمون بهم في أحضان الموت.
وفي وقت انهمك المسؤولون اليوم، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في متابعة آخر المعطيات حول عمليات الانقاذ وتأمين العلاج للناجين وانتشال جثث الضحايا، طُلِبَ الى الاجهزة المختصة توفير التسهيلات كافة امام عائلات الضحايا والناجين نتيجة الحادث الاليم.
أما في السياسة، فأعرب الرئيس عون اليوم أمام وفد فرنسي عن ارتياحه للبيان الثلاثي الذي صدر امس عن فرنسا والولايات المتحدة والسعودية، مؤكداً ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية وتشكيل حكومة جديدة قبل انتهاء الولاية الرئاسية، مكرراً ضرورة تطبيق الاصلاحات التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي وازالة كل العراقيل. الرئيس عون الذي عرض للظروف الصعبة التي مر بها لبنان خلال السنوات الست الماضية من عهده، ومنها الحرب السورية واقفال الحدود وتدفق النازحين وصولاً الى احداث 17 تشرين وتفشي وباء كورونا ثم انفجار مرفأ بيروت، والازمة الاقتصادية والمالية، اعتبر أن اقسى ما واجهه لبنان هو افراغ الصناديق المالية وخزينة الدولة من المال في ظروف ملتبسة عملنا على تكليف شركة عالمية للتدقيق فيها ونحن بانتظار نتائج هذا التدقيق.
ثم تحدث رئيس الجمهورية عن الازمة الحكومية، لافتاً الى أنه يعمل على إزالة العراقيل الموضوعة امام تشكيل الحكومة، ومؤكدا اهمية وجود حكومة كاملة المواصفات، لتتمكن من تحمل مسؤولية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذر انتخاب الرئيس، لافتاً الى ضرورة المحافظة على التوازن الوطني في كل الاستحقاقات الدستورية المرتقبة.
وعن الترسيم، جدد الرئيس عون الحديث عن تقدم، معرباً عن امله في الوصول الى اتفاق يمكّن لبنان من استثمار ثروته النفطية والغازية وانعكاس ذلك ايجاباً على الاقتصاد اللبناني.
أجسادٌ كموجِ البحر, أرواحٌ صارت أرقاماً, وكلّما تنفّسَ الموج لَفَظَ جثّةً جديدة مؤجِّلاً اسمَها إلى حينِ تَبيانِ الهُوية وعلى رملِ طرطوس السورية تمدّدت جنسياتٌ لبنانيةٌ سوريةٌ فِلَسطينية، مرتفعةٌ إلى قِمّةِ المأساةِ المشتركة بعدما جمعتْها جِراحٌ واحدة في بلادِ الغربة اللبنانية حتى لأبنائِها طرطوس طرابلس عكار خطٌ أَبحر على متنِ زورقٍ قَطَعَ تذاكرَ للموت، فكانتِ الكارثةُ المغمسة بقرارِ الهِجرة والزورقُ المُثقَلُ بهمومِ دولٍ ثلاث، خُسِفت حمولتُه قُبالةَ جزيرةِ أرواد السورية قبل أن يَبلُغَ حُلُمَ الشواطئِ الإيطالية فرمى أحلامَ أكثرَ من مئةٍ وخمسينَ مهاجراً في عُرضِ البحر نحوُ ثمانينَ شخصاً تَخاوت أجسادُهم معَ الملح، واستَسلمت أرواحُهم للأمواج فيما عِشرونَ آخرون يتلقَّون العلاجات في مشافي طرطوس ومن بينِ هؤلاء لبنانيون عَبَرت جثثُهم بسياراتِ الصليبِ الأحمر هذا المساء من مَعبرِ العريضة الحدودي أما الصَباحات فقد افتُتحت على أجسادِ أطفالٍ من عائلةٍ واحدة حيث خَسِرت بلدةُ القرقف العكارية بيتاً بأُمِّه وأبيه وأطفالِه الثلاثة وحكاياتُ الموتِ تتوالى معَ استمرارِ البحثِ عن مفقودين في البحرِ السوري مُودِعاً الأسى بينَ طرابلس وعكار التي تحوّلت إلى محافظاتٍ منكوبة وليسَ أسوأَ من خبرِ غرقِ الزورق إلا الأخبارُ المتناقَلة عن زوارقَ سياسيةٍ لبنانية تُدينُ وتَندُبُ وتَلومُ وتوبّخ على اعتبارِ أنّ المسؤولينَ اللبنانيين هم في عِدادِ المفقودين فسمير جعجع صَعدَ فوراً إلى بعبدا على متنِ عبّارةِ الموت وطالبَ برئيسِ جُمهوريةٍ للإنقاذ، مرتدياً السترةَ الواقية للتحديات وإبنُ طرابلس أشرف ريفي لَعَنَ المنظومةَ التي هو منها ومتفرعاً عنها منذُ عِشرينَ سنة ونائبُ عكار وليد البعريني دعا إلى محاسبةِ المسؤولين عن الهِجرةِ غيرِ الشرعية وهو ذو اليدِ الطائلة في عكّارِه ويعَرِفُ جليّاً مَن يُهّربُ ويُسمسِر ويتاجِرُ بأرواحِ الناس فيما يَنْظُمُ نائبُ طرابلس عن المشاريع طه ناجي الأشعارَ للغائبين في مراكبِ الموت ويدعو إلى تقوى الله أما على أرفعِ مستوىً حكومي فهي اتصالاتٌ خَلوية من نيويورك إلى بيروت، ومن بعبدا “بالناضور” إلى طرطوس ولأنّ حالةَ مقاطعةِ الرسميين لسوريا سالكةٌ على خطوطٍ سياسية فإنّ أحداً من المسؤولين في الدولة لم يَرَ أنّ هناك داعياً إلى معاينةِ مكانِ الكارثة والقيامِ بزيارةٍ سريعة إلى طرطوس للقيامِ بالواجب ولو عن طريقِ المواساة وتركت المهمة الى وزير الاشغال والنقل علي حمية في التواصل المباشر مع نظيره السوري زهير خزيم اضافة الى مساعي الصليب الاحمر اللبناني بالتعاوني مع فرق الاسعاف السورية وما خلا ذلك فإن التضامن اقتصرت اضراره على المواقف والعبارات من دون ان تضع الدولة نهاية لمأساة الهجرة او البدء بمعالجة اسبابها وصولا الى مراقبة الشواطىء وضبط تجار التهريب وغدا يرتفع الصوت على توزير سني من عكار وعلى معالجة هذا الحرمان الحكومي ويبدأ الحرد على اسم هذا وتوزير ذاك لكن ان يمثل الوزير او النائب منطقته في رعاية شؤون اهله فتلك مسألة ستعد ثانوية والتمثيل السياسي سيتجلى في ابهى صورته غدا تلبية لدعوة دار الفتوى الى اجتماع على الرئاسة والتمسك بالطائف فيما رؤساء حكومات سنة تعاقبوا منذ العام تسعة وثمانين الى اليوم ولم يقدموا على وضع الاليات التنفيذية للطائف وهذا ما ينقص الاتفاق الذي ظل حبيس الورق وسمي دستورا يتم خرق اعتابه مع طلعة كل صباح والاجتماع حول الطائف غدا التزم بحضوره عدد كبير من النواب السنة لكنه اعلن مقاطعته نائبان من كتلة التغيير هما ابراهيم منيمنة وحليمة قعقعور وجاء في الاسباب الموجبة لمنمية ان عنوان اللقاء يتعارض والمبادىء التي ينطلق منها التغييرون وهي رفض الاصطفافات الطائفية.
مرةً أخرى يبتلع البحر الفقراء الذين يَضيقُ بهم لبنان فيمتطون موجاتٍ عاتيات مغامرين بحياتهم في رحلة البحث عن حياة عزيزة لا يجدونها في وطنهم الغارق في همومه.
لا فرق سواء كانوا عشرة او خمسين او مئة أو مئة وخمسين فالمأساة واحدة لم تكن الأولى وربما لن تكون الأخيرة.
ومن مفارقات الوجع انه بينما كان البحث يجري عن مركب مفقود بين تركيا و اليونان جاء الخبر الصاعق من الشواطئ السورية.
على أكثر من سبعين رسا عدّاد ضحايا مأساة المركب الذي غرق بركابه اللبنانيين والسوريين في البحر قبالة طرطوس والحبل على الجرار.
أما الناجون فكانوا حوالي عشرين عملت السلطات السورية على إحاطتهم بكل عناية ومتابعة انطلاقاً من عمليات البحث المنهجية في البحر وصولاً إلى المستشفى.
وفي لبنان جرت عمليات بحث ودهم من قبل القوى العسكرية والأمنية لإلقاء القبض على متورطين في جريمة تنظيم الهجرة عبر مراكب الموت.
في السياسة لا جديد ومنسوب التفاؤل ببت الملف الحكومي لا يزال مرتفعاً ومعلقاً على عودة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي اعرب اليوم عن أمله في ان يتم انهاء الملف في الاجتماعات التي سيعقدها مع رئيس الجمهورية ميشال عون الاسبوع المقبل معتبراً ان الأمر لا يحتاج الى الكثير من النقاش وهو عالق عند وزير من هنا وآخر من هناك.
مسار التفاوض بين لبنان وصندوق النقد الدولي والتشريعات الإصلاحية التي أنجزت وتلك التي قيد الإنجاز المخاطر الناجمة عن تردي الأوضاع الإقتصادية
شكلت محور لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري
مع سفراء دول الإتحاد الأوروبي حيث قدم رئيس المجلس عرضاً مسهباً حول خارطة طريق لإنقاذ الوضع في لبنان يتصدرها التوافق مع صندوق النقد الدولي وإنجاز القوانين الإصلاحية من الموازنة العامة الى قانون الكبيتال كونترول وقانون السرية المصرفية وخطة التعافي الإقتصادي التي وصلت مؤخراً الى المجلس النيابي.
وأكد الرئيس بري أن هناك هامشاً زمنياً ضيقاً لإنجاز ما هو مطلوب والذي يستوجب تعاوناً وثيقاً بين المجلس النيابي والحكومة إفساحاً في المجال أمام مجلس النواب لإنجاز الإستحقاق الدستوري الأول ألا وهو إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
في الترسيم الحدودي البحري موقف اميركي يؤكد ان الوسيط آموس هوكشتاين أحرز تقدماً في تضييق الخلافات ولكن بعض النقاط مازالت عالقة.
لكن الأكيد أن المطلوب هو تسييل هذه المواقف المتفائلة الى خطوات ملموسة تراعي حقوق لبنان وثوابته/وذلك يكون بتقديم شيء مكتوب لكي لا يبقى التفاؤل منثوراً في الهواء وغير قابل للترجمة العملية.