قضية أميني: الحجاب تحت مقصلة “الحرية” و”الإلتزام”!

/ سُكينة السمرة /

دخلت التظاهرات في إيران يومها السادس، إحتجاجاً على وفاة المواطنة الإيرانية مهسا أميني.

غضب إجتاح الشوارع الإيرانية بعد وفاة الشابة أميني، البالغة من العمر 22 عاماً. وكانت قد توفيت أميني في مستشفى في العاصمة طهران، التي نُقلت إليه بعد إصابتها بمضاعفات خطيرة أثناء إحتجازها في أحد مراكز “شرطة الأخلاق” الإيرانية، بسبب “عدم تغطية الحجاب كل رأسها”.

تظاهرات تملأ الشوارع

بدأت التظاهرات من العاصمة طهران، وعلى إمتداد محافظة كردستان حيث مسقط رأس أميني، لكنها سرعان ما إنتشرت إلى محافظات أخرى، ووصلت إلى مدن محافظة مثل قمّ.

إتخذت الإحتجاجات طابع التحدّي، حيث نزعت النساء والفتيات غطاء الرأس، وقصصن وأحرقن شعرهن، إحتجاجاً على وفاة أميني.

كما وأظهرت فيديوهات متداولة على مواقع التواصل الإجتماعي، إيرانيات يخلعن حجابهن، ويهتفن “الموت للديكتاتور”.

بداية قصة أميني

بدأت القصة، بتوقيف دورية من شرطة الآداب الإيرانية، الفتاة عندما كانت تسير مع أسرتها في الشارع، ونقلها إلى مركز في العاصمة طهران، من أجل “التوجيه والتدريب”، بسبب إرتدائها ما يُوصف بـ “الحجاب السيء”، بحسب بيان الشرطة الإيرانية. لكن بعد ساعتين من ذلك، نقلتها سيارة إسعاف إلى المستشفى بسبب دخولها في غيبوبة، لتفارق الحياة هناك بعد يومين.

يتّهم المحتجون “شرطة الأخلاق” الإيرانية بأنها تسببت بوفاة أميني، بعد أن إحتجزتها بتهمة “خرق معايير الأخلاق”، مع نساء أخريات، الأربعاء الماضي، خلال زيارة أسرتها إلى طهران، وذلك بتهمة عدم إرتداء الحجاب بـ “الشكل اللائق”.

عائلة مهسا أميني

وأعلنت عائلة مهسا أميني أنها لن تتنازل عن حق إبنتها، وستلاحق المتسببين بوفاتها بكل الطرق القانونية الممكنة. وتؤكد عائلة أميني أن وفاتها نجمت عن إصابة بالغة في الدماغ، نتيجة تعرضها لضرب مبرح في أحد مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة في العاصمة طهران.

وقال والدها إنّ إبنته لم تكن تعاني من مشكلات صحية، وإنّ الكدمات كانت ظاهرة على قدميها، محمّلاً الشرطة مسؤولية وفاتها.

الشرطة الإيرانية توضح

من جانبها، أعلنت شرطة طهران في بيان مقتضب، أن توقيف مهسا أميني والأخريات جرى لتلقينهن “إرشادات تتعلق بقواعد الزي المحتشم”، وأضافت أن أميني “عانت بشكل مفاجئ من مشكلة في القلب، ونُقلت فوراً إلى المستشفى”، قبل أن يعلن التلفزيون الرسمي وفاتها اليوم الجمعة ونقل جثتها إلى معهد الطب الشرعي.

ومن جانبه، أشار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى أن السلطات القضائية ستعلن نتيجة التحقيق في حادثة وفاة الشابة مهسا أميني عند إنتهائه.

وقال “تواصلت شخصاً مع عائلة الشابة، ووعدتهم بأن حقها لا يضيع”، وشدد على أن “السلطات القضائية ستعلن نتيجة التحقيق في الحادثة عند انتهاء التحقيقات”.

وقد إعتبر الحرس الثوري، في بيان، أن “الذين في الشارع يعرضون السلامة النفسية للمجتمع للخطر”، ودعا “للتعامل معهم بكل حزم”.

كما قدّم ممثل المرشد الإيراني الأعلى عبد الرضا بورذهبي، العزاء لأسرة أميني، لكنّ ذلك لم يهدّئ الشارع.

هل ماتت أميني من التعذيب أم من الخوف؟

بين بيان العائلة التي دانت الشرطة الإيرانية، وبيان الشرطة التي إعتبرت ما حدث مع أميني ودفعها للموت حدث بشكل “مفاجئ”، كثرت التساؤلات: ما الذي تسبب بوفاتها؟ الجواب هُنا لن يُشكل فارقاً كبيراً، فماذا يعني أن تموت فتاة “من الخوف”، بسبب إعتقالها من قبل “شرطة الآداب” بسبب مخالفة “قانون الحجاب”، ما الذي رأته وشعرت به وذهب بها إلى الموت؟!

على الصعيد الدولي

طالب المتحدث بإسم البيت الأبيض المسؤولين الإيرانيين بالتوضيح وكذلك الاتحاد الأوروبي. ومن ناحيتها، إعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية، إعتقال السلطات الإيرانية للفتاة مهسا أميني ثم وفاتها على يد الشرطة أمر مروع للغاية، مشيرةً إلى أنه يجب إجراء تحقيق شفاف وعاجل لكشف ملابسات وفاتها.

الغرب ليس “المثال الأعلى”

قضية “فرض الحجاب” أو “فرض منع الحجاب”، تأخذ نقاشاً واسعاً مؤخراً، خصوصاً بعد أن إتخذت بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمها فرنسا، قراراً بمنع الحجاب في المدارس والجامعات.

وإستناداً إلى هذا القرار، يتّخذ المدافعون عن فرض إرتداء الحجاب، الدول الغربية مثالاً لتبرير القوانين التي تفرض الحجاب، في إيران أو في غيرها من الدول الإسلامية، وذلك على قاعدة أن “الحجاب الإلزامي” هو قانون تفرضه الدولة التي تعتمد الإسلام كمصدر للتشريع والقوانين، كما تفرض فرنسا “العلمانية” مثلاً “الخلع القسري” للحجاب.

وفي المقابل، يعتبر المعارضون لهذا الرأي أن “الخلع القسري” و “الحجاب الإلزامي”، هما وجهان لسلوك قمعي واحد، يتّخذ من قوانين الدولة ستاراً لممارسة سلطوية، تفرض على الناس قهراً ما تريده.

ويستند المعارضون في رأيهم إلى آيات قرآنية تؤكّد على حرية الفرد في الإيمان والكفر، حيث تقول الآية “فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”. وفي آية أخرى “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”. ويستشهد المعارضون بهاتين الآيتين، للإشارة إلى الحرية التي نص عليها الله في قرآنه الكريم، بحرية الإيمان والكفر، فكيف بحرية إرتداء الحجاب أو عدمه؟

في مطلق الأحوال، فإن وفاة أميني، والإحتجاجات المتدحرجة في إيران، أشعلت مجدداً النقاش في العالم الإسلامي حول قضية الحجاب، ووضع الحجاب تحت مقصلة “الحرية” أو “الالتزام”، بين النظامين “العلماني” و “الإسلامي”!