رواتب الجيش اللبناني من واشنطن ووقود البلاد من طهران

قادت الأزمة الاقتصادية لبنان إلى أن يعيش حالة تناقض عجيبة؛ فهو يمد اليد إلى الولايات المتحدة ليحصل على رواتب الجنود الذين يعيشون أوضاعا صعبة، وفي الوقت نفسه يتفق مع الإيرانيين على تمكينه من الوقود بالرغم من أن هذه الخطوة قد تضع البلد تحت طائلة العقوبات التي تفرضها واشنطن على النفط الإيراني.

وقالت الرئاسة اللبنانية إن الأمم المتحدة تضع اللمسات النهائية على خطة لتقديم رواتب إضافية بتمويل أميركي للجنود اللبنانيين المتضررين بشدة من الأزمة المالية في البلاد.

ويتفشى الاستياء في صفوف قوات الجيش في الوقت الذي فقدت فيه العملة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، مما جعل رواتب معظم الجنود تقل عن مئة دولار شهريا. وحصل الكثير من الجنود على وظائف إضافية وترك آلاف آخرون الخدمة.

وأبلغت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتسكا الرئيس اللبناني ميشال عون الاثنين بأن المساعدة الأميركية، المتمثلة في دفع رواتب الجنود اللبنانيين، “صارت في مراحلها التنظيمية الأخيرة وستُقدّم إلى العسكريين عبر أحد برامج الأمم المتحدة”.

ويعتقد مراقبون أن اهتمام الولايات المتحدة بالجيش اللبناني سيصطدم بحقيقة سيطرة حزب الله على البلاد، وأن الجيش لا يمكنه بوضعه الحالي أن يواجه ترسانة الحزب المدعوم من إيران، ما يجعل المساعدات الأميركية ذات تأثير إنساني لا أكثر من خلال تحسين ظروف معيشة الجنود.

وتتطلع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى تمكّن المؤسسة العسكرية اللبنانية من الاضطلاع بدور أكبر بغية ترجيح كفة الردع العسكري للدولة في مواجهة تنامي قدرات حزب الله، بما يساهم في منع أيّ ضغوط من الأخير لتحقيق مصالح سياسية في الداخل اللبناني أو تجاه ملفات إقليمية.

وفي يناير الماضي أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس بخطط لتخصيص 67 مليون دولار من المساعدات العسكرية للبنان من أجل دعم رواتب الجنود اللبنانيين في ضوء الاضطراب الاقتصادي والقلاقل الاجتماعية في البلاد.

وتسببت الأزمة الاقتصادية في تآكل قيمة رواتب الجنود وخفض ميزانية الجيش للصيانة والتجهيزات، وأصبح راتب الجندي العادي يعادل ما هو أقل من مئة دولار مقارنة بنحو 800 دولار قبل بدء الأزمة في صيف 2019. واضطرت قيادة الجيش قبل عام إلى حذف اللحوم من وجبات العسكريين، قبل أن تعتمد تقشفا حادّا في موازنتها.

وتتحدث أوساط لبنانية عن أن عدد الفارّين من الخدمة في الجيش تجاوز عتبة الخمسة آلاف ضابط وعسكري، بينما لامس العدد خمس مئة في قوى الأمن الداخلي وتجاوز العشرات في بقية الأجهزة الأمنية.

وأصبح التنافس الأميركي – الإيراني على لبنان الضعيف أمرا مكشوفا؛ فبالتوازي مع الوعود الأميركية المتعلقة بدعم الجيش قالت السفارة الإيرانية في بيروت لتلفزيون المنار اللبناني الموالي لحزب الله إن السفن المحملة بالوقود الإيراني ستكون جاهزة خلال أسبوع أو اثنين للإبحار باتجاه لبنان.

وأضافت السفارة أن لبنان وإيران سيبحثان مسألة إصلاح الشبكات وبناء معامل لتوليد الكهرباء.

ومن شأن هذه الخطوة أن تحسّن صورة حزب الله وتعطي دفعة قوية لرهانه على إيران في حين صار من الواضح أن الحزب بدأ يفقد شعبيته ويخسر تحالفاته داخل الحاضنة المسيحية، وهو ما عكسه التراجع في نتائج حلفائه بالبرلمان والفشل في الحصول على أغلبية موالية له كما حدث في الانتخابات الماضية.

ويرى المراقبون أن نجاح إيران في توفير الوقود للبنانيين ولو بشكل رمزي يصب في خانة تحويل الحزب كذلك إلى قوة اقتصادية إضافة إلى قوته العسكرية، في وقت أدار فيه العالم ظهره للبنان ولاسيما الدول التقليدية التي كانت تدعمه وتستثمر فيه مثل دول الخليج وخاصة السعودية.

“العرب”