/ دايانا شويخ /
لم تكن قضية النزاع على حدود إيجة والمتوسط جوهر الخلاف بين تركيا واليونان فقط، فالصراع على الغاز كان سيد النزاعات بينهما وبين دول الشرق الاوسط عموماً. والمواجهة القديمة المتجددة، أتت على خلفية اكتشاف الغاز والبترول، مما زاد من احتمالات خطر اندلاع مواجهات عسكرية على الضفتين.
ومؤخراً شهدت المنطقة تحركات عدائية بين الطرفين، تمثلت بفتح عناصر يونانية النار على سفينة تجارية ترفع علم جزر القمر قبالة جزيرة بوزكادا في بحر إيجة، بحسب الرواية التركية. وبحسب البيان التركي، أطلق زورقان تابعان للجانب اليوناني، نيران مضايقة على السفينة “Anatolian” المخصصة للرحلات التجارية، أثناء إبحارها في المياه الدولية، على بعد 11 ميلاً بحرياً عن جزيرة “بوزجا أدا”.
في المقابل، أكد خفر السواحل اليوناني أنه أطلق طلقات تحذيرية على سفينة، كانت “تتحرك بشكل مريب”، في المياه الإقليمية اليونانية، قبالة جزيرة “ليسبوس”. وكان قبطان السفينة التركية قد رفض السماح بعملية تفتيش، بعدها تم اصطحاب السفينة إلى المياه التركية القريبة، طبقاً لما ذكره مسؤولو خفر السواحل اليوناني، مشيرين إلى أنهم أبلغوا خفر السواحل التركي.
وفي السابق، اتهمت أنقرة أثينا بالسيطرة على بعض الجزر الواقعة على بحر إيجة، ومضايقة الطائرات التركية بأنظمة دفاعية طراز “إس 300” روسية الصنع، متمركزة هناك. وإلى جانب هذه الحادثة اتهمت تركيا اليونان، في شهر اغسطس/آب الماضي، بعمل عدائي ضد طائراتها فوق بحر إيجة في حين نفت أثينا ذلك.
هذه الحوادث المتبادلة بين الطرفين تأتي بين فترات من التصعيد والهدوء الذي تشهده العلاقات التركية ـ اليونانية، إلا ان صلب الخلاف لايزال قائماً من دون أية حلول من شأنها تطفئ لجام المواجهة والصدام بينهما. فما هي أبرز محطات النزاع التركية اليونانية؟
جذور النزاع التركي اليوناني
ليس هناك من جديد في تفاقم التوتر الناشئ في العلاقات بين أنقرة وأثينا، فتركيا احتلت في زمن العثمانيين الأراضي اليونانية التي لم تبدأ بالخروج من هيمنتها إلا في القرن التاسع عشر. والهزيمة التي أوقعتها “قوات حرب الاستقلال التركية” بـ”قوات الاحتلال اليونانية”، أدت إلى اشتعال فتيل الأزمة بين البلدين العضوين في “الناتو” ولم تعرف التهدئة إلا لعقود قليلة. وأصبح التوتر والصدام الصفة التي تتسم بها هذه العلاقات.
وتعود جذور هذه التوترات إلى قضايا عديدة أبرزها الحدود البحرية في إيجة والمتوسط، وتسليح القوات اليونانية الجزر الشرقية في بحر إيجة والذي يثير حفيظة أنقرة في هذا الجانب. إضافة إلى الحدود الجوية غير المتفق عليها، وملف قبرص الذي يدخل في صلب النزاع، فالدولتان على خلاف بشأن قبرص منذ صراع عام 1974 والذي أدى إلى تقسيم الجزيرة إلى قسمين.
أما المسألة الأبرز، والتي تدخل في جوهر النزاع، هي رفض اليونان، التي تتمتع بحق الفيتو، ضم تركيا بالاتحاد الاوروبي. وتبقى القضية الأكثر حساسية وتعقيداً، هي ملف الحدود البحرية في بحري إيجة والمتوسط والتي كانت ولاتزال تدفع الجانبين التركي واليوناني إلى حافة الاشتباكات العسكرية منذ عقود إلى الآن، وما تحتويه هذه المناطق من موارد طبيعية.
الصراع على غاز شرق المتوسط
تزايدت في السنوات الأخيرة اكتشافات الغاز والبترول في مناطق متعددة في البحر المتوسط، أبرزها سواحل اليونان وتركيا وقبرص، التي تعد أساس الخلاف بين البلدين اللذين يدعي كل منهما أنها تدخل في مياهه الاقليمية.
اليونان، هي عضو في “منتدى غاز شرق المتوسط” EMGF، والذي تأسس في يناير/كانون الثاني في القاهرة، وضم كلاً من: مصر، الاردن، اليونان، إيطاليا، قبرص، الامارات، فلسطين و”إسرائيل”، إضافة إلى فرنسا التي قدمت طلباً بالانضمام كعضو، والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بصفة مراقب دولي.
وقد أعلنت اليونان عن اكتشافات ضخمة قبالة سواحلها، الأمر الذي أثار غضب تركيا التي تم استبعادها من قبل من “منتدى غاز الشرق المتوسط”.
واستهلكت تركيا 62 مليار متر مكعب من الغاز لعام 2021، إضافة إلى أنها تستورد كافة احتياجاتها من الطاقة بتكلفة حوالي 50 مليار دولار سنوياً، فالطاقة هي أساس عجز ميزانية الدولة التركية الذي بلغ 220 مليار دولار، وفقًا لبيانات من معهد الإحصاء التركي والبنك المركزي.
وإثر استبعاد أنقرة احتدم الصدام بينها وبين اليونان وقبرص الشرقية، أرسلت تركيا سفناً للاستكشاف والتنقيب قي مناطق متنازع عليها مع اليونان وقبرص، حيث تأمل تركيا في معالجة مشاكلها الاقتصادية. لذا ضاعفت من أنشطتها في التنقيب في البحر المتوسط والبحر الأسود، الامر الذي اعتبره أعضاء “منتدى غاز الشرق المتوسط”، وعلى رأسهم اليونان، تعدياً على حقوقهم البحرية.
هل التصعيد يثير اليوناني ـ التركي مخاوف الغرب؟
ليست المرة الاولى التي تتوتر فيها العلاقات بين أنقرة وأثينا، فرغم أن البلدين عضوان في حلف شمال الأطلسي، إلا أنهما كانا على مقربة من الحرب لولا التدخلات الأميركية والاوروبية التي هدأت من شرارة النزاع بينهما، بعد أن أرسلت أنقرة سفينة تنقيب عن النفط والغاز في مياه تعتبرها أثينا يونانية.
وسارع الغرب، الذي استشعر الخطر، إلى دعوة الطرفين لحل النزاع عبر الطرق الدبلوماسية عوضاً عن اللجوء إلى التصعيد العسكري. وقال متحدث بإسم وزارة الخارجية الاميركية، إن الولايات المتحدة “تواصل تشجيع حلفائها في الناتو على العمل معا للحفاظ على السلام والامن في المنطقة وحل الخلافات دبلوماسيا”.
أما الاتحاد الأوروبي، فرأى أيضاً أن “التصريحات العدائية المستمرة من جانب القيادة السياسية لتركيا ضد اليونان، تثير مخاوف كبيرة، وتتناقض تماماً مع جهود التهدئة التي تشتد الحاجة إليها في شرق البحر المتوسط”.