/محمد حمية/
دخلت مصارف لبنان على خط النار والانهيار الذي تتجمع عناصره، الواحد تلو الأخر، وصولاً الى مشهد الانفجار الاجتماعي والأمني الكبير.
لم يكُن ينقص المسرح الداخلي، سوى الاقتحام المسلح والمنظم للمصارف من قبل مجموعة من المودعين، بمواكبة مجموعات شعبية تنتمي الى الحراك الشعبي.
قد لا يُلام المودعون الذين يتحسّرون يومياً على ودائعهم المحتجزة في المصارف، وهم ينظرون اليها وهي تذوب بنار التعاميم المصرفية والقرارات العشوائية والاستنسابية حتى تندثر يوماً ما. وليس الخلاف على حقهم باستعادة أموالهم وجنى عمرهم واستخدام كافة الوسائل القانونية والمشروعة، حتى التحرك في الشارع ضد المصارف لاستعادتها. ولا جدال حيال دور المصارف بالمؤامرة الاقتصادية والمالية على لبنان، والتفريط بودائع الناس، واستخدامها بهندسات مالية “غب طلب المصارف”، وسد عجز الدولة، وتمويل استثمارات وهمية، وتهريب أموال نافذين إلى الخارج منذ عقود… لكن الحالة الانفعالية والعشوائية التي تحرك بها المودعون، قد لا يكون بعضها بريئاً بالكامل وعفوياً وفردياً!
تساؤلات عدة ترتسم فوق مشهد العنف غير المألوف منذ اندلاع أحداث تشرين 2019، وإن كان متوقعاً حصوله بسبب كثافة الأحداث الأمنية هذا الأسبوع واقتحام مصرفين في بيروت وعاليه: هل ما حصل كان تحركاً ذاتياً وعفوياً من المودعين، أم جرى تحريضهم واستدراجهم الى اقتحام المصارف، والمواجهة الأمنية، من قبل جهات لها مصلحة بإشعال الوضع الداخلي لأهداف سياسية، لا سيما وأن عمليات الاقتحام لا يمكن أن تنفذ بشكل فردي، بل ثمة غرفة عمليات خططت وأدارت عملية التنفيذ تدريجياً؟
وما علاقة عمليات الاقتحام المنظمة للمصارف، بفض الجلسة النيابية وتطيير مشروع الموازنة، بعدما انسحبت كتل القوات اللبنانية والكتائب والتغييريين؟ وما سر تزامن “غزوة” المصارف مع مسلسل الاحداث الأمنية المتلاحقة؟ وهل ما حصل يخدم استعادة أموال المودعين؟ وإن تمكن بعض المودعين من استعادة جزء من أموالهم بالقوة المسلحة، فهل يستطيع كل مودع حذو حذوهم؟ وماذا لو حصل ذلك؟ وهل ما حصل يشكل ضغطاً على المصارف أم يصب في مصلحتها؟!
أما اللافت فهو التوقيت المشبوه لتحريك الشارع مع دخول البلاد على حافة المهل الدستورية للاستحقاقات الدستورية: رئاسة الجمهورية، وتشكيل الحكومة، واتفاق صندوق النقد الدولي، وملف ترسيم الحدود البحرية، وتزامناً مع اعلان وزارة الطاقة الإسرائيلية استعدادها لربط حقل كاريش بمنظومة وشبكة الغاز!
مراقبة المشهد وتتبع الوقائع وتزامنها وترابطها، ومطابقتها ومعلومات الأجهزة الأمنية التي كشفت تورط أكثر من جهة سياسية وحزبية بالتنسيق مع جهات نافذة، في اطار مخطط لإشعال الشارع، حيث بات لدى الأجهزة “داتا” كاملة عن تحديد النقطة صفر للتحرك. كل ذلك يقود الى سؤال: هل يجري تفجير الشارع تحت عنوان استعادة الودائع بحيث يتحول المودعون الى كبش محرقة وحطب هذا المشروع؟
المخطط، وفق المعلومات والوقائع والتحليل، هو استخدام المودعين في اقتحام المصارف بشكل ممنهج ومنظم، وتحويله الى حدث وعنوان يومي ينتج مواد إعلامية وحالة أمنية شبيهة بمسلسل أحداث تشرين 2019، تؤدي الى اقفال المصارف، وتوقف التحويلات المالية، والتجارة الخارجية، والتصدير والاستيراد، وصرف رواتب الموظفين، ومنصة صيرفة، ما يؤدي الى ارتفاع جنوني بسعر صرف الدولار الى 50 ألف ليرة، وبالتالي اشعال فوضى عارمة تعم مختلف المناطق اللبنانية.
فالمصارف هي آخر المعاقل قبل انهيار المنظومة المصرفية والمالية والاقتصادية للدولة، من ضبط سعر صرف الدولار، الى حد ما، وصرف رواتب الموظفين والتحويلات الخارجية الى لبنان بالدولار الفريش وتمويل عمليات التصدير والاستيراد…
هذه الحالة التفجيرية تُحرك السياسة وتتحكم بالملفات والاستحقاقات الأساسية، كانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف الحكومة وترسيم الحدود البحرية، لإلهاء اللبنانيين وحرف أنظارهم وتشتيت انتباههم وقواهم عن دفع الخطر القادم من العدو الإسرائيلي في ملف الترسيم.
وهذا المخطط يتكفل بتحقيق جملة أهداف بضربة واحدة:
* عرقلة العمل التشريعي، ونسف الإصلاحات المالية والاقتصادية التي يطلبها صندوق النقد الدولي، وعلى رأسها الموازنة والكابيتال كونترول وخطة التعافي التي سعت المصارف ومصرف لبنان جهدهما لنسفهما، وكذلك تجميد التدقيق الجنائي، وتنفيذ حزمة الأحكام القضائية ضد المصارف التي يرفعها المودعون والقضاء ضدها.
* عرقلة مفاوضات تأليف الحكومة لإبقاء الفراغ الحكومي، لكي يلاقي الفراغ الرئاسي الذي يتوقعه الجميع ويتوق اليه بعض الأطراف.
* انهيار المنظومة الأمنية والمؤسساتية، وتعميم الفوضى المالية والمصرفية، والانفجار الأمني في الشارع، سيلهي الدولة وقوى سياسية وأحزاب ومرجعيات ومقاومة عن ملف ترسيم الحدود حتى حصول الفراغ في رئاسة الجمهورية، فيجري الضغط على لبنان لفرض تنازلات عليه بملفات الحكومة والرئاسة والترسيم معاً.