/ هبة علّام /
صحيحٌ أنّ انهيار مؤسسات الدولة هو النتيجة الكارثية للأزمة التي تعصف بلبنان، إلّا أنّ انهيار القضاء وتحوّل قصور العدل إلى مراكز مهجورة، هو آخر مسمار في نعش الوطن.
يدخل القضاء، ومعه العدالة، مرحلة صعبة، بعد أن أرخت أزمة انهيار القدرة الشرائية للمواطنين ورواتب موظفي القطاع العام بظلالها على أكتاف “نسور الحق”.
وها هي حالة الصراع تستعر اليوم في عالم القانون بين أغلب القضاة الذين قرّروا الاعتكاف والتزام منازلهم، وبين محامين يكادون يُقفلون مكاتبهم بسبب توقّف أعمالهم ومراجعاتهم القضائية، فيما يتسمّر الموقوفون في نظارات قصور العدل والمخافر من دون أي مسوّغ قانوني، وينتظر أصحاب الدعاوى الفرج لإنجاز ملفاتهم وتحصيل حقوقهم.
المحامون ممتعضون ومكاتبهم مهدّدة بالإقفال
تسود حالة تململ كبيرة في أوساط المحامين، بسبب اعتكاف القضاة الذي يعتبرون أنه “لم يعد له مبرّر، ويسبّب الضرر والأذى لشؤون الناس، ويُضعف مسيرة العدل، ويُطلق العنان للمجرمين والفاسدين حتى يزيدوا في بطشهم من دون حسيب أو رقيب”، بحسب ما يقول المحامون المتضررون.
ويعتبر المحامون أن الأمور مسألة وقت وستسود شريعة الغاب، إذا بقي الوضع القضائي على ما هو عليه، وستحكم المافيات والعصابات.
ويرى المحامون إن هذا الاعتكاف، على أحقية أسبابه، أسوةً بمطالب القطاع العام، إلا أن القاضي، كالطبيب، لا يمكنه الانكفاء عن القيام بواجباته المهنية، لأن ذلك يعرّض حياة وحرية الآخرين للخطر.
يتحدّث المحامون عن عشرات الموقوفين احتياطياً مخلى سبيلهم، إلا أن الإشعارات لم تُوقّع بسبب الاعتكاف، وهذا أصبح يُعدّ احتجازاً تعسفياً، فضلاً عن عشرات الموقوفين الذين يموتون داخل السجون، من دون أن يتمكّن المحامون من إتخاذ أي إجراء استباقي لمعالجتهم.
يؤكد المحامون أن هذا الاعتكاف بدأ يؤثّر سلباً على المجتمع بشكل عام، لأنه مهما بلغ الخطر على أي مواطن لا يمكنه التقدّم بدعوى، حتى أن القوى الأمنية تتجاهل توقيف المجرمين، لأنه لا نيابات عامة ولا أماكن شاغرة في نظارات المخافر.
وعليه، فإن هذا الاعتكاف يُلحق الضرر بالمحامين المهدّدين بإقفال مكاتبهم، وبالموكّلين الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة.
في أروقة قصور العدل، يدور همس بين بعض القضاة الذين لم يشاركوا في الإضراب ولا يزالوا يمارسون مهامهم في مكاتبهم، وهم قلّة، عن وجود “إدارة لهذا الاعتكاف القضائي، بأجندات سياسية”.
وبموازاة ذلك، يأخذ المحامون على “بعض القضاة” أنهم “يمنعون الموظفين من المناوبة في مكاتبهم وتسجيل المعاملات في الأقلام، والمحامين من مراجعة ملفاتهم”.
القاضي ماضي لـ “الجريدة”: على القضاة أن يلعبوا دورهم في إحقاق الحق
في المقابل، يعتبر النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي، في حديث لموقع “الجريدة”، أنّ “اعتكاف القضاة هو جرعة مرّة، ولكن لم يكن منه بد بعد أن تدنى راتب القاضي بشكل مريع، بحيث لم يعد يكفي لسدّ الموجبات الحياتية الأولية”.
وعن تأثير هذا الاعكتاف على سير العدالة يقول ماضي: “لا شك أنّه أثّر سلباً على حقوق المتقاضين. من هنا كنت أتمنى أن لا يشمل الاعتكاف قضاة النيابة”، مضيفاً: “أما وقد حصل عسى أن تشعر السلطة بفداحة المشكلة وتعجّل في الحلّ”.
ويتابع ماضي: “صحيح أن السلطة هي التي أوصلت الوضع إلى هذا الحد، ولكن لمن يتوجّه القضاة للمطالبة بحقهم؟!”.
وشدّد على أنّه “لو كان القضاء حراً بالفعل لكان لاحق وسجن كل المتسبّبين بالانهيار. وعلى القضاة أن يلعبوا دورهم في إحقاق الحق”، معتبراً أنّ ” فتح ملفات الفساد وملاحقة الفاسدين عملية مستدامة”.
بين امتعاض المحامين واعتكاف القضاة وغيبوبة السلطة، فجوة انعدام الأمن الاجتماعي تكبر يوماً بعد يوم، والخطر على الطرقات أصبح مرعباً، فباتت حياة اللبنانيين مهدّدة فعلياً بسبب غياب كل وسائل الأمن والردع.