/محمد حمية/
لم يكن مسلسل الأحداث الأمنية المتتالية والمفاجئة، وفي توقيت زمني واحد وخلال أيام قليلة، محضُ صدفة، بل رسمت، بعددها وتنوعها وطبيعتها وتوزعها على مناطق عدة، مشهداً جديداً ومقلقاً مفتوحاً على مرحلة جديدة من تهديد الاستقرار السياسي والأمني، في توقيت خطير يزدحم بملفات واستحقاقات مصيرية، كتأليف حكومة جديدة وانتخاب رئيس للجمهورية وترسيم الحدود البحرية الجنوبية والاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
تزامن هذه الأحداث، يحمل مؤشرات على وجود جهات تديرها، بالتوازي مع أيادٍ أخرى توفر عناصر حصولها بالتواطؤ أو بالإهمال.
فمن يحرك هذه التوترات المتنقلة؟ ولأي أسباب؟ وما علاقتها باستحقاقات الحكومة والرئاسة والترسيم؟ وهل تخفي مشروعاً لإعداد الساحة الداخلية لتفجير ما موقت على الساعة الخارجية؟
أبرز حلقات هذا المسلسل الأمني كانت جريمة القتل في طرابلس التي حصدت 4 قتلى، في ما أوحى أن هناك من يريدها أن تتّخذ الطابع المذهبي مع مخاوف من استغلالها لإعادة احياء أجواء التوتر بين طرابلس وجبل محسن، بالتزامن مع معلومات أمنية تتحدث عن نشاط لخلايا إرهابية في بعض مناطق الشمال، ودخول عناصر تنتمي لتنظيم “داعش” عبر الحدود الى لبنان والتحضير لأعمال إرهابية من تفجير واغتيالات. علماً أن المسلحين الذين نفذوا جريمة طرابلس تحركوا بحرية تامة في شوارع طرابلس وفي ساحة التل في المدينة!
تلا ذلك اشتباكات مسلحة بين عناصر مسلحة في الضاحية الجنوبية، بسبب الخلاف بين عدد من الصرافين غير الشرعيين قرب حاجز الجيش اللبناني على تقاطع حارة حريك ـ الشياح ـ معوض، ونجت المنطقة من مجزرة حقيقية.
اندفاع أصحاب الودائع فرادى، على تنفيذ “انتفاضة” على عدد من المصارف لاستعادة ودائعهم المسروقة، بحادثتين متتاليتين في بيروت وعاليه، ما أحدث اضطرابات وتوترات ستتكرر في مصارف أخرى، وربما بحجم أقسى، ومصحوبة بمواجهات بين المودعين والمصارف والقوى الأمنية، ستؤدي الى اقفال المصارف وتجميد النشاط المصرفي، وبالتالي ارتفاع إضافي بسعر صرف الدولار تنتج عنه فوضى اجتماعية وأمنية.
في اليوم نفسه أيضاً، شهد مبنى جريدة “البناء” في الحمرا، عملية اقتحام لعناصر مسلحة غير مألوفة، ستترك تداعيات أمنية خطيرة في مناطق عدة، كما شهد وسط بيروت سلسلة احتجاجات شعبية، وسقوط 3 قتلى وجريح نتيجة إشكال تطور الى إطلاق نار في صالة للأفراح، في قبعيت العكارية.
تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمالية، دفع بالمواطنين في مناطق عدة الى الاحتجاج في الشارع وقطع طرقات قد تقود الى مشهد شبيه بمشهد الاحتجاجات في تشرين 2019، فضلاً عن أحداث امنية أخرى واطلاق نار في مناطق عدة في بعلبك والهرمل وصور والناقورة، والعديد من المناطق… وإعادة تحريك الشارع بقضية انفجار مرفأ بيروت من نافذة اتهام الثنائي الشيعي بعرقلة التحقيقات بتجميد مرسوم التشكيلات القضائية.
وبموازاة الأحداث الأمنية ذات البعد اللبناني، ظهرت أيضاً سلسلة إشكالات بين لبنانيين ونازحين سوريين، في ضوء التجاذب السياسي والحكومي حول خطة اعادتهم الى سوريا.
اضف إلى كل تلك الحوادث، ما يسجّل يومياً، من عمليات سلب بقوة السلاح في مختلف المناطق اللبنانية.
قد يكون مناخ الانفلات الأمني هذا، شجع الكثير من عصابات الجريمة الاجتماعية والجنائية والخلايا الارهابية على الخروج من أوكارهم للاصطياد بالماء العكر، لترصّد هدف هنا أو استغلال فرصة هناك، وكذلك مافيات الصرافة والدولار والمحروقات والمولدات والماء والكهرباء والأدوية والنفايات على تنفيذ عمليات المضاربة بالعملة والتلاعب بأسعار السلع، وهذا ما ظهر بعودة طوابير المحروقات وظهور ملامح أزمة خبز وارتفاع سعر الصرف والأسعار من دون حسيب رقابي ورقيب أمني وعقاب قضائي.
قد لا يكون لكل هذه الأحداث محرك واحد، وليس بالضرورة أن تكون مترابطة، لكن بالتأكيد هي تعكس بداية جولة جديدة من التفلّت الأمني الخطير، في ظل احتمالات دخول البلاد في مرحلة من الفراغ المزدوج، الحكومي والرئاسي، وبلوغ ملف ترسيم الحدود أخطر مرحلة قد تفتح الباب أمام حرب عسكرية إذا لم يوقع اتفاق ترسيم خلال شهر. ويعكس أيضاً تحلل الدولة والمؤسسات، لا سيما الخدماتية والأمنية، حتى على مستوى تصريف أعمال وتسيير الشؤون والمتطلبات اليومية والطبيعية للمواطنين.
وقد تكون لهذه الأحداث أسباب تتعلق بالاستحقاق الرئاسي والصراع السياسي بين قوى سياسية، أو بين مرشحين، باستخدام الأدوات الأمنية في المعركة الرئاسية لإعادة الأمن الى الواجهة، بعدما احتل الاقتصاد عنوان المرحلة الحالية لاختيار رئيس من النادي الاقتصادي والمالي، وقد يكون للخارج مصلحة بإشعال موجة جديدة من الانفجارات الأمنية للضغط بهدف فرض تنازلات على فريق سياسي بملفات عدة.
بعدما تجاوز لبنان أكثر من قطوع أمني، منذ تشرين 2019 حتى قبل أيام، بأقل قدر من الخسائر، رغم فداحة الأحداث وآلامها، لكن يبدو أن البلد أمام مرحلة أشد خطورة ودقة..
تتعزز هذه المخاطر مع تراجع نسبة الحضور والتأهب في الأجهزة الأمنية والعسكرية الى مستويات متدنية، بسب تدهور القدرة الشرائية للرواتب، وتزايد حالات الفرار وطلبات التقاعد للسفر إلى الخارج، وأزمة الكهرباء والمحروقات في المراكز العسكرية والأمنية.
فهل وصلنا الى مرحلة انهيار المنظومة الأمنية والقضائية بالكامل؟