ذكرت صحيفة “الديار” بعض النقاط التي تُظهر أن مشروع الموازنة العامة لا يعكس الواقع الحقيقي للمالية العامة، ومن هذه النقاط:
أولًا – تعدّد أسعار الصرف: فمشروع الموازنة هذا يحوي أقلّه على ثلاثة أسعار صرف مخفية داخله، الأول سعر 20 ألف للإيرادات، والثاني 12 ألف للدولار الجمركي، والثالث 1500 للنفقات (خاصة الأجور). وهو بالتالي يترك المجال لعمليات Arbitrage من قبل الشركات وحتى بعض المواطنين، ويغض النظر عن وجود السوق السوداء، بحكم أن توحيد سعر الصرف على منصة صيرفة (كما هو مفروض) يفترض مكافحة التطبيقات التي تُعطي أسعارًا عشوائية تُناسب المضاربين والتجار. أيضًا يفرض توحيد سعر الصرف أن تعمد الحكومة إلى السيطرة على الكتلة النقدية بالعملة الصعبة، وهو ما يعني إقرار قانون «الكابيتال كونترول» ووقف عمليات التهريب (المُقدّرة من قبلنا بنصف حجم الإستيراد) التي تُخرج الدولارات خارج لبنان من بوابة التجارة. أيضًا من شروط توحيد سعر الصرف مكافحة الإحتكار وإلزام التجار القبول بوسائل دفع أخرى غير «الكاش»، والذي له مضار كثيرة إن من ناحية المضاربة على الليرة أو من ناحية التهرّب الضريبي أو من ناحية الجرائم المالية عامة.
ثانيًا – غموض في الإيرادات والنفقات: قامت لجنة المال والموازنة بتعديلات على مشروع موازنة العام 2022 طالت عدة أجزاء من الموازنة وعلّقت أربعة عشر مادة منها بحكم غياب الإتفاق السياسي على هذه المواد. وبحسب التعديلات، بلغت إعتمادات الموازنة 37,858,866,143,000 ليرة لبنانية مُموّلة بإيرادات مُقدّرة بـ 24,312,142,000,000 ليرة لبنانية وإيرادات إستثنائية بـ 13,546,734,143,000 ليرة لبنانية. وهنا تبرز مُشكلة جوهرية من ناحية أن الإيرادات الضريبية تُشكّل أكثر من 80% من إيرادات الخزينة وبالتالي ومع الإضرابات القائمة والتهرّب الضريبي الواسع خصوصًا في الضريبة على القيمة المضافة (تُشكل أكثر من 24.5% من إيرادات الخزينة) والإيرادات الجمركية (أكثر من 8.5% من إيرادات الخزينة)، هناك أسئلة مشروعة عن إمكانية تحقيق الخزينة هذه الإيرادات؟
ثالثًا – حجم وتمويل العجز: تحليل النسخة المُسرّبة في الإعلام من مشروع الموازنة يُظهر أن حجم العجز سيفوق الـ 30 تريليون ليرة لبنانية! نعم هذا ما يُمكن إستخراجه من هذه الأرقام (خصوصًا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الإيرادات والنفقات المُحققة سابقًا نسبة إلى تلك المتوقّعة). هذا العجز يوازي 853 مليون دولار أميركي على سعر السوق السوداء ومليار و63 مليون دولار أميركي على سعر منصة صيرفة. وبالتالي هناك إعتقاد أن يكون وضع أرقام الموازنة قد تمّ بالدولار الأميركي وتم تحويل الأرقام ودوزنتها لاحقًا بالليرة اللبنانية. وهنا نطرح سؤالا جوهريا: من سيموّل هذا العجز؟ فشروط صندوق النقد لم يتم الإلتزام بها، وبالتالي لن يمول صندوق النقد الدولي هذا العجز. أيضًا لا مساعدات مالية ظاهرة في الأفق من أي دولة من الدول بحكم إلتزامها بضرورة إتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي.
رابعًا – الدين العام: لا يُظهر مشروع الموازنة أي معالجة للدين العام، وهو ما يعني أن الحكومة ماضية في خطتها في تحميل المودعين والمصارف ومصرف لبنان دينها العام. وهذا الأمر يُظهر إلى أي مدى هناك إستخفاف بمصداقية الدولة اللبنانية على الإلتزام بتوقيعها وسيكون له تداعيات مُستقبلية على قدرتها التمويلية من الأسواق المالية.
خامسًا – القطاع العام: لم يتطرق مشروع الموازنة إلى القطاع العام وما هي نظرة الحكومة إلى المؤسسات غير المجدية والتي يصل عددها إلى أكثر من 90 مؤسسة بحسب تقرير سابق للجنة المال والموازنة. كما لم يتمّ التطرّق إلى حجم القطاع العام وإمكانية نقل موظّفين من هذا القطاع إلى القطاع الخاص في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهو ما يعني تأجيل مُشكلة أجور القطاع العام إلى الأعوام القادمة.
سادسًا – قطوعات الحساب: لعل هذه النقطة هي الأهم على صعيد الموازنة، حيث أنه وعلى الرغم من أن الدستور والقوانين تنصّ على إلزامية إقرار قطوعات الحساب، لا يوجد أي قطوعات حساب منذ العام 2003. وبحسب تقرير لوزارة المال، هناك 27 مليار دولار أميركي «مجهولة المصير» في حسابات الدولة، كما أن هناك أكثر من 90% من الهبات غير المُسجّلة في حسابات الدولة ما بين العامين 1997 و2002. وبالتالي كيف يُمكن للمجلس النيابي إقرار موازنة من دون معرفة الواقع الحالي للمالية العامة؟
سابعًا – نسبة النمو: تُشير حساباتنا إلى أن نسبة النمو الاقتصادي الذي سيُحققه الاقتصاد اللبناني هذا العام يفوق الـ 2%. ولم تسمح لنا المعلومات المتوافرة لمعرفة نسبة النمو المُعتمدة في مشروع موازنة العام 2022 حتى لو أن التوقّعات تُشير إلى أن سيكون أكثر من 3% نظرًا لإعتماد وزارة المال على نسب نمو تفاؤلية. إلا أنه وبغض النظر عن نسبة النمو المُعتمدة، كيف ستستفيد الحكومة من هذا النمو مع نسبة التهرب الضريبي الهائلة في ظل وجود إقتصاد نقدي كبير؟ هذا السؤال يطرح العديد من الأسئلة خصوصًا على صعيد تحقيق الإيرادات المُتوقّعة.