/محمد حمية/
أجرى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل جردة حساب سياسية ومالية، عن كامل سنوات ولاية الرئيس ميشال عون، مع مختلف خصومه في السياسة وأجهزة القضاء والمال والنقد، باستثناء “حزب الله”، دافعاً كل التهم الموجهة إليه والى العهد الرئاسي، من أزمات سياسية ودستورية وانهيارات اقتصادية ومالية وحصار خارجي.
حمل مؤتمر باسيل في طياته، تسليماً بنهاية العهد رغم الإنجازات التي يسجلها لنفسه، واقفال الباب والوقت على أي إنجازات إضافية قد يسعى لاستلحاقها في ربع الساعة الأخير، وكان بمثابة نعي للأهداف التي أراد تحقيقها بسبب اصطدامه بالمنظومة الحاكمة وطبيعة وتركيبة النظام السياسي الطائفي القائم، وبالرياح الدولية التي لم تجرِ وفق ما تشتهي سفن العهد، فكسرت أشرعته وعطّلت مجاذيفه وتركته صريع الغرق.
قدم باسيل مطالعة تتضمن أسباب وتبريرات لفشل العهد بإنجاز الإصلاحات التي وعد بها في القضاء والمال والنقد وبناء الدولة، متهماً بشكل غير مباشر رأس القضاء وأركانه الأساسيين بالانقلاب على العهد الذي أتى بهم وعلى القضاء نفسه، عبر عجزهم وخوفهم وتواطئهم، في ملف انفجار المرفأ والتدقيق الجنائي ونهب ثروات الدولة.
رمى باسيل الكرة الى ملعب عين التينة والسراي الحكومي والحكومة بقضية اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، معلناً على الملأ استعداده لإقالة الحاكم في أي وقت، محاولاً التبرؤ من كل التقصير والمسؤولية والأخطاء التي يأخذها خصومه عليه خلال فترة حكمه. ووضع باسيل مسؤولية الخراب الاقتصادي والنقدي والانفجار الاجتماعي المقبل جراء الارتفاع المتوقع لسعر صرف الدولار، في رقبة المسؤولين الذين يقدمون الرعاية السياسية والحماية القضائية لرياض سلامة.
رد رئيس “التيار” على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، بإعلان “انتفاضة مسيحية”، سياسية ـ دستورية على حكومة تصريف الاعمال، متوعداً بانفجار سياسي “إذا تمادى ميقاتي ومن خلفه بوراثة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الفراغ الرئاسي بحكومة عرجاء وفاقدة للشرعية والشعبية”، ملوحاً بسحب الوزراء المحسوبين على عون و”التيار” من الحكومة، أو على الأقل تجميد عملهم، باستثناء تسيير ما تيسر من تصريف أعمال يومية، وينزع بهذه الخطوة عن الحكومة المستقيلة الميثاقية.
أما الورقة الذي يخفيها باسيل في “جارور مكتبه”، فهي النزول الى الشارع على وقع تحرر عون من قيود رئاسة الجمهورية. ومهد لذلك بسلسلة ايحاءات واشارات للجمهور العوني، والمسيحي عموماً، بأن العودة الى الشارع قد تكون الخيار الأخير للدفاع عن صلاحيات رئاسة الجمهورية، الشراكة المسيحية في الحكم.
وتقصّد باسيل إبقاء الغموض حول خيار رئيس الجمهورية بعد نهاية ولايته بقوله: “فوضى دستورية تبرر فوضى دستورية”، عبارة حمالة أوجه، ولم يُعرف ما إذا كان يقصد فوضى دستورية على الصعيد الحكومي، أم الرئاسي ببقاء الرئيس عون في قصر بعبدا، في ظل التسريبات التي ينقلها مقربون من رئيس الجمهورية أنه لن يترك الأمور على غاربها من دون ضمان استمرار سير الحكم، علماً أن الرئيس نفسه ومقربين منه يؤكدون أنه لن يبقى في القصر دقيقة واحدة بعد نهاية ولايته.
رد باسيل بشكلٍ غير مباشر على الرئيس بري، بأن كل وزير سيتحول الى رئيس للجمهورية في الحكومة قيد التشكيل، بمعزل عن حجمها، أكانت 4 أو 24 أو30 وزيراً، وفي ذلك رسالة مفادها أن الخوف من أن ينطوي اقتراح عون إضافة 6 وزراء على نية لانتزاع العهد الثلث المعطل كضمانة له خلال فترة الفراغ، غير مبرر، لسبب بسيط هو أنه يكفي استخدام أي وزير عوني حق “الفيتو” ليعطل أي قرار لمجلس الوزراء.
زنّر باسيل قصر بعبدا بجملة عوائق حديدية على المرشحين اجتيازها قبل ولوج مدخل القصر الى كرسي الرئاسة. الأولى أن يملك الرئيس حيثية مسيحية وتمثيل سياسي وازن وتمثيل وطني. ورمى خياراً آخر لا يقل سوءاً على خصومه من الخيار الأول، وهو انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب على دورتين لضمان الحيثية المسيحية والوطنية، وقطع بذلك الطريق على وصول رئيس القوات سمير جعجع ورئيس المردة سليمان فرنجية الى بعبدا، كما أسقط نظرية الرئيس الضعيف أو الرئيس الصنيعة مقابل اسقاط خصومه نظرية الرئيس القوي، وتموضع على رأس لائحة صناع الرئيس المقبل، ورسخ معادلة: “لا رئيس من دون مفاوضتي وموافقتي”، مستنداً الى ظهير “حزب الله” من دون اعلان ذلك بالتصريح، وكأنه يقول إن “حارة حريك” لن تسير برئيس من دون التنسيق مع الرابية، المقر الجديد لعون.
أراد “صهر الرئيس” توجيه رسالة الى الخصوم بأن المعركة مع العهد لن تنتهي بانتقال عون من قصر الرئاسة الأولى الى منزله في الرابية منتصف ليل 31 تشرين المقبل، بل ستبدأ المعركة من هذا التاريخ على كافة الصعد. ولم يخلُ مؤتمره من رسالة للمراهنين على وراثة الرئاسة والشعبية، بأنهم “لن يستطيعوا الانتهاء مني، فأنا الذي سيرث رئيس الجمهورية والمد العوني”.
لم ينسَ نائب البترون أن “يزكزك” بحليف “مار مخايل” و”حليف الحليف”، بوضع الرئيس بري في وجه السيد حسن نصرالله، فردّ على تحميل بري التيار مسؤولية أزمة الكهرباء، بمحاولة اللعب على الكلام وتظهير تناقض بين بري ونصرالله، وترك للرأي العام اختيار من الصادق، محاولاً تبرئة نفسه من تهمة المسؤولية في أزمة الكهرباء.
قد يكون باسيل نفّذ هجمات مرتدة على حملات خصومه بنجاح، واختار التصعيد وهدد بالنار، لكنه لم يحرق المراكب مع عين التينة ولا حتى مع ميقاتي، وترك شعرة معاوية وللصلح مطرح بدعوته للحوار الوطني لتطوير النظام، طالما أن المهل الدستورية لم تنفذ أمام تأليف حكومة أو انتخاب رئيس، فضلاً عن تدخلات الوسطاء لاحتواء التصعيد، لكن إن الغد لنظاهره لقريب.