/محمد حمية/
انتظر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ولاية رئاسية كاملة لينتقم من “العهد العوني”، على ما يعتبره انقلاباً عونياً على “اتفاق معراب” الذي شكل جسر عبور “الجنرال” ميشال عون الى قصر بعبدا.
مضت السنة الأولى من العهد على سلام ووئام بين “الحكيم” والجنرال”، لكن في حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية انفجر الخلاف بين الطرفين، بعدما شعر جعجع بأن التسوية الرئاسية بين بيت الوسط ـ والرابية جاءت على حسابه ونسفت مضمون الاتفاق العوني ـ القواتي، بعدما شعر القواتيون بظلم “ذوي قربى” الشريك المسيحي.
ابتعد الحريري كثيراً عن معراب، وانغمس في العلاقة مع بعبدا وميرنا الشالوحي الى الحد الأقصى، ليدفع “الشيخ” الثمن لاحقاً من حياته السياسية، لكن ما أفاض الكأس القواتي هو تبرؤ “الرئيس” و”الصهر” من اتفاق “أوعى خيك” 2016 الذي تضمن تقاسم الحصص الوزارية والنيابية والمناصب في الدولة، لا سيما الفئات الأولى.
ومُنذ ذلك الحين، اتخذ “المجلس القواتي” قرار التصعيد ضد العهد والسعي لإسقاطه، فجاء الانفجار الشعبي في 17 تشرين 2019 ليشكل منصة الانطلاق لاستهداف عون وتياره، وحليفه “حزب الله”، بشتى الأسلحة السياسية والميدانية، المشروعة و”المحرمة”.
خاض الحكيم الحروب بالجملة ضد العهد الرئاسي، مستفيداً من كل أخطائه، ومن الظروف الإقليمية والدولية وقتذاك، أملاً بإسقاط هذا العهد مبكراً قبل نهاية ولايته الطبيعية، أو بالحد الأدنى تشويه صورته، ومنعه من تحقيق أي انجاز يستمد منه بعض الأوكسيجين لالتقاط أنفاسه، بل إخراجه مستنزفاً ومأزوماً ومهزوماً، فصب جام غضبه على تحالف “مار مخايل” بين “التيار” و”الحزب” وحملهما مسؤولية الانهيار الكبير.
ماذا يُخفي جعجع في جعبته؟
يدرك جعجع أن العهد شارف على نهايته الدستورية والسياسية، وأن المعركة على من يحكم من بعده، ويدرك أن منافسه الأول على الساحة المسيحية هو النائب جبران باسيل، ويسعى جعجع لكي يكون الوريث الشرعي للحالة العونية في الساحة المسيحية، فضرب جعجع ضربته الأولى في الانتخابات النيابية عبر حصد كتلة نيابية توازي كتلة التيار، ويتحضر للضربة القاضية في معركة السباق الى سدة الرئاسة الأولى، وتموضع باكراً على جبهتين: الأولى، إطلاق النار بكثافة على العهد حتى انهاكه وشطب باسيل أو من يمثله عن لائحة المرشحين. الثانية، فتح قنوات الحوار مع القوى المناهضة للعهد و”حزب الله”، من قوى حزبية ومستقلة وتغييرية، لجمع أغلبية نيابية وازنة قادرة على فرض رئيس للجمهورية، أو خلق توازن تعطيلي يتحول جعجع من خلاله الى صانع الرئيس أو أحد صناعه.
ويدرك جعجع أيضاً، التحول الذي طرأ على معادلة استحقاق رئاسة الجمهورية، من حصر المرشحين بالأقطاب المسيحيين الأربعة الأقوياء في طائفتهم تحت راية بكركي واختيار الرئيس الأقوى منهم، الى استبعاد “نادي الأقوياء الأربعة” من السباق، وبالتالي تحولهم من مرشحين الى صناع الرئيس.
يُدرك جعجع أن حظوظه للرئاسة منعدمة، لكنه يسعى لأن يكون الأقوى في “نادي صناع الرئيس”، للتأثير بالمعادلة الرئاسية وتحقيق أهدافه المتصلة بالأهداف الخارجية، الأميركية ـ السعودية تحديداً، لقطع الطريق على أي مرشح ينتمي الى الفريق العوني أو الى معسكر 8 آذار والمقاومة، وذلك بالسعي لامتلاك كتلة نيابية وازنة مع قوى مستقلة وتغييريه، لتعطيل نصاب الجلسة بالحد الأدنى، لتعزيز موقعه التفاوضي على “منصة” المرشحين، واختيار رئيس توافقي في معركة التصفيات النهائية.
يعتبر جعجع أن الفرصة تاريخية لتعديل موازين القوى الرئاسية على أنقاض “شريك الأنخاب في معراب”، بعدما عدّل الموازين النيابية المسيحية التي مالت في السنوات الماضية مع “التيار”، ويعتبر الاستحقاق الرئاسي هو المدخل لهذا التغيير. ويريد أن يضع “نبيذه القواتي” في “كأس” قوى التغيير والمجتمع المدني، ليصنع الرئيس المقبل.
هل ينجح جعجع؟
استطاع جعجع إسقاط نظرية الرئيس القوي، وبالتالي قطع الطريق على أي من الأقطاب المسيحيين الثلاثة الآخرين، أي باسيل وسليمان فرنجية وسامي الجميل، علماً أن جعجع يُدرك أنه لا يستطيع أن يكون مرشحاً ولا يتطابق مع أي مواصفات يضعها الأطراف، حتى تلك التي وضعها هو، كما أنه لا يملك أكثرية لفرض رئيس، لكنه يريد إيصال رئيس له فيه “حصة الأسد”.
ليست المعركة الأولى التي يخوضها جعجع من معارك “الإلغاء” و”التصفيات”، وسبق أن أقنع جمهوره بأن الانتخابات النيابية هي واجهة التغيير ومدخل لإنقاذ لبنان وانخفاض سعر صرف الدولار وتحسن الأوضاع المعيشية، لكن الأحوال ساءت أكثر، فعاد ليسوق بأن الاستحقاق الرئاسي والحؤول دون وصول رئيس يتبع لـ”حزب الله” والعونيين، هو سفينة نجاة لبنان، فـ”وصفات الحكيم” لا تتطابق مع المطالب والطموحات الشعبية، لكن المعادلة المسيحية والنيابية والتركيبة الهجينة للمجلس الجديد، ستمكنه من لعب دور مقبول، ويكبر في حال تمكن من سحب كتلة نيابية من المستقلين والتغييريين، ليتحول الى الناخب الأكبر، أو المعطل الأكبر لانتخاب رئيس من فريق المقاومة.
لكن ماذا لو خذلت قواعد لعبة الرئاسة والتسويات الداخلية مجدداً قائد “القوات”، وسارت الرياح الإقليمية والدولية بما لا تشتهي سفن معراب؟ هل سينتظر 6 سنوات إضافية؟