〉〉 دايانا شويخ 〈〈
تتجه الصين اليوم غرباً، بحثاً عن حلفاء لها في الاقتصاد والسياسة، فالجوار بات يعج بالصراعات والتوترات السياسية. لذا وبعدما فتحت طريقها غرباً، انطلاقاً من باكستان وإيران بمعاهدات تعاون استراتيجية بمئات مليارات الدولارات، وصارت على ضفاف الخليج شرقاً وجنوباً، دخلت السباق الكبير مع الولايات المتحدة الأميركية على منطقة الخليج، الحليف الاستراتيجي لواشنطن، والذي يمكن أن تشكل معه حلفاً اقتصادياً مستمراً، نظراً لما تملكه المنطقة من ثروة نفطية هائلة، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، التي تعتمد بصورة كبيرة على ثرواتها النفطية، باعتبارها ثاني أكبر احتياطي نفطي بعد فنزويلا، إضافة إلى كونها أكبر مصدر للنفط في العالم.
وتبدو الولايات المتحدة مدركة لأهمية تاريخية كانت وراء تمسكها الدائم بموقع مميز لها في الخليج وللخليج في سياساتها، انطلاقاً من السعودية. وكانت زيارة الرئيس جو بايدن قبل شهر إليها، واتخاذها مقراً لقمة اقليمية جمعته بزعماء المنطقة، آخر علامات هذه المكانة، وترجمة للإصرار على عدم الإخلال في علاقتها مع السعودية، خصوصاً في الأمن والسياسة.
وفي قلب هذا السباق الصيني ـ الأميركي على الخليج، وخصوصاً على السعودية، تبدو الصين تتقدم كشريك اقتصادي، بينما تبدو أميركا ثابتة كحليف سياسي استراتيجي.
ويبدو الخليج، وعلى رأسه السعودية، يمتلك جرأة الحديث عن فصل السياسة عن الاقتصاد في مخاطبة الأميركيين، فتربط السعودية سياساتها النفطية بشريك في دول الانتاج هو روسيا وشريك في دول الاستهلاك هو الصين، كما فعلت مؤخراً في الرد سلباً على الطلب الأميركي بزيادة الانتاج، بينما واشنطن التي لا تمثل شريكاً كبيراً في السوق النفطية للسعودية، لا في البيع كروسيا ولا في الشراء كالصين، معنية من الزاوية الاستراتيجية بأسواق الطاقة ونفوذها فيها كأحد عناوين الصراع على زعامة العالم، وخصوصاً المنافسة مع الصين، وقد صار السباق معها على من يمسك بأهم محطات منتصف الطريق في المسافة الفاصلة بين واشنطن وبكين، عند المياه السعودية في مضائق الخليج والبحر الأحمر .
في ظل الشراكة الاقتصادية مع الحليف الصيني، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل بجدية على إبقاء العلاقة الوطيدة مع الحليف الأهم في الشرق الاوسط، السعودية. ففي وجود الصين، التي تعتبر أكبر وأهم مستورد للنفط من السعودية، أصبحت واشنطن من بين حلفاء السعودية وليست الحليف الوحيد كما كانت في السابق. فالعلاقة مع الصين تتعزز وتتوطد يوماً بعد يوم بفضل التعاون الاقتصادي ومساهمته في تنمية البلدين، خاصة بعد (الاتفاق على بناء مركز بتروكيماويات ضخم في مقاطعة شاندونغ بشرق الصين، حيث تتركز 26٪ من طاقة تكرير النفط في الصين).
تطور العلاقات بين الصين والسعودية
تنامت العلاقة بين الصين والسعودية منذ مطلع الألفية، فكانت العلاقة متعددة الجوانب الاقتصادية والسياسية والعسكرية. فرغبة السعودية في الانفتاح على الشرق الآسيوي كانت ملحة، بفضل المصالح الاقتصادية، وخاصة على العملاق الصيني الذي يتمتع بقوة مؤثرة في العالم. وفي الوقت الراهن، تجد السعودية حاجة ملحة لتوطيد العلاقات مع الصين على وجه الخصوص، بعد الفتور الذي لاقته العلاقة مع واشنطن من جهة، والشعور بالحاجة لسياسة متوازنة على الصعيد الدولي تلاقي المتغيرات التي يمثلها الصعود الروسي والصيني من جهة ثانية.
وتتجه السعودية نحو تعزيز التعاون الاقتصادي مع حليفها الجديد، بخاصة في ما يتعلق باستبدال الدولار الاميركي وإحلال اليوان الصيني بدلاً منه في التبادلات التجارية. فالعلاقات السعودية الأميركية تمر بفترة ركود كبير، جراء رفض الأولى زيادة انتاج النفط لضبط أسواق الخام التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً جراء الحرب الروسية الاوكرانية، لذا تقوم واشنطن بالضغط على المملكة، على خلفية إثارة بعض القضايا الخلافية ذات الطابع الحقوقي.
وتعتبر الصين أكبر وأهم مستورد للنفط عالمياً، وهي تستورد أكثر من 25 في المئة من صادرات السعودية، لذا فإن التعامل باليوان ليس شأنا تقنياً، فهو إضافة لكونه سيعزز من قوة الصين ومكانتها عالمياً، وهو الطموح الذي تسعى اليه بكين لتحقيقه، يشكل إخلالاً بالعامل الثاني المحدد للاستراتيجيات الأميركية، إلى جانب الطاقة، وهو سيطرة الدولار على التعاملات التجارية العالمية.
فهل يبقى التعامل الأميركي مع الخيارات السعودية بصفتها خيارات تقنية مصلحية في أسواق النفط والعملات، أم تكبر الهوة بين الرياض وواشنطن على قاعدة اعتبار واشنطن لما يجري في أسواق النفط والعملات تغييراً استراتيجياً؟
الجواب بلغة المصالح يقول إن التعاون الصيني السعودي سيكبر وينمو، حيث يمثل التبادل التجاري جوهر العلاقة الصينية السعودية. ووفقاً للبيانات التي نشرها المنتدى العربي ـ الصيني، فإن المملكة العربية السعودية استحوذت على أكثر من ربع التجارة العربية مع الصين، وكانت أكبر شركاء بكين التجاريين بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد تضاعف التبادل التجاري بين السعودية والصين خلال عقدين أكثر من 29 مرة، حيث قفز من 3 مليارات دولار في العام 2000 إلى 87.3 مليار دولار في العام 2021. وتمكنت السعودية خلال العقدين الماضيين من أن تصبح المُصدّر الأول للنفط إلى الصين، اذ تصدر السعودية ما معدله 1.8 مليون برميل يومياً إلى الصين.
أين تتموضع السعودية بين القوتين العالميتين؟
يبدو أن توتر العلاقة السعودية الأميركية، شكل نافذة لانفتاح السعودية على الصين العملاق، وفي المقابل برزت حاجة لدى الشرق المتمثل بالصين بالاتجاه غرباً نحو الخليج لتعزيز مكانتها الاقتصادية، بخاصة مع مشروع القرن “الحزام والطريق” الذي سيعزز من نفوذها في العقود القادمة، ويزيد من فرصة تغييريها لتوازن القوى في العالم.
هل ستتحمل واشنطن هذا التحول الخليجي الذي تقوده السعودية؟ أم تتخلى السعودية نهائياً عن حليفها الأميركي؟ أم تتحول السعودية إلى خط التماس الساخن بين بكين وواشنطن في حرب باردة ستقرر مستقبل العلاقات الدولية، انطلاقا من أسواق الطاقة ومكانة الدولار في التعاملات التجارية؟














