/ جورج علم /
يمرّ شريط الأحداث تاركاً في الذاكرة تراجيع صدى، لزمن مضى على بيروت كانت خلاله مفاتيح العاصمة بأيد خارجيّة نافذة، في ظلّ سلطة هشّة، ومؤسسات مهشّمة.
اليوم يعيد التاريخ نفسه، لكن بمقاربات مختلفة، وقفّازات تحمل وشم العلم اللبناني، وتحفر عميقاً، لتحقيق غايات ومآرب قضتها متغيرات استراتيجيّة على مستوى الشرق الأوسط، وملعبه الرحب الذي يشهد “مونديالاً” دائماً، بين المتنافسين الكبار.
ويمرّ الشريط تاركاً علامات استفهام حول التوقيت، والخلفيات:
- قبل أيام، اعتقلت سلطات الانتربول في لبنان، عبد الله ياسر سبعاوي، وهو حفيد شقيق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وانتشر على مواقع التواصل الإجتماعي مقطع صوتيّ لنجل شقيق صدام حسين، سعد سبعاوي إبراهيم الحسن، أعلن فيه عن اعتقال حفيد شقيقه في لبنان منذ يونيو / حزيران الماضي بتهم “كيديّة”.
السؤال: إذا كان الاعتقال في حزيران، فلماذا تمّ الإعلان في 19 آب؟
- قبل أيام، هدّد معارض سعودي يدعى علي هاشم، طاقم السفارة السعوديّة، في حال التعرض لعائلته. وألقت السطات الأمنيّة القبض عليه، كما أفادت وسائل إعلام محليّة. وأثار الحادث بلبلة واسعة، وترك علامات استفهام حول التوقيت، والخلفيات…
- وقبل أيام، إستقبلت بيروت الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين زياد النخالة على رأس وفد. وتركت الزيارة علامات استفهام حول التوقيت، والخلفيات، فلا الوضع الداخلي مهيأ في ظل جائحة الجوع والهريان، ولا الوضع السياسي مهيأ لـ”محادثات استراتيجيّة”، في ظل الانشغال بالاستحقاق الرئاسي، وتشكيل حكومة، وترسيم الحدود، واستجداء صندوق النقد الدولي.
- وفي سابق الأيام، أي منتصف حزيران الماضي، إستقبلت بيروت ـ للمرة الثالثة على التوالي ـ رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة، على رأس وفد قيادي، وأجرى جولة من المحادثات، لكن لم تعرف التفاصيل، والخلفيات، إلاّ لدى جهة واحدة مهتمة، ومتابعة، فيما أفادت صحف لبنانية، ومصريّة، بأن زيارة بيروت كانت محطة ضمن جولة عربيّة، لكن مصر لم تستقبله، والحجة أنه طلب موعداً ولم يصله جواب، لأن التوقيت كان متزامناً مع الإستعدادات لجولة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، واقتراب موعد توقيع القاهرة مع “إسرائيل” على اتفاقيّة “غاز شرق المتوسط” إلى أوروبا.
كما كان مخططاً أن يزور دمشق، لكن العاصمة السوريّة لم تتجاوب مع الوساطة التي قامت بها جهة لبنانية نافذة لتحديد موعد، وفتح الأبواب أمامه.
ويمرّ الشريط بأحداث ومحطات لا تقل أهميّة، لكن الإهتمام الدبلوماسي العربي، والأجنبي المعتمد في لبنان، لا يغريه العرض، بقدر ما يهمّه التوقيت، والغرض، والخلفيّة، ومدى التأثير على شبكة العلاقات، وشرايين المصالح.
والقراءة المتداولة في كواليس دبلوماسيّة عربية تشير إلى حالة “انتفاخ” خطر، في أكثر من مكان في الجسم اللبناني، قد يؤدي الى إنفجار، بتوقيت مدروس، ولتحقيق أغراض محسوبة جيّداً.
حالة “انتفاخ” نتيجة جاليات كبيرة من المعارضات العربيّة التي تستظل فيء الأرزة اللبنانيّة، وتسرح، وتمرح على هواها، وتخطّط، وتعدّ المشاريع التي تخدم أهواءها، ومصالحها، غير عابئة بالتداعيات والتراكمات السلبيّة التي قد ترتبها على المصالح اللبنانية مع الدول الشقيقة، والصديقة. والخطير أن جهات محليّة غالباً ما تكون شريكة في مطبخ الإعداد، والتجهيز، والتنفيذ.
حالة “انتفاخ” نتيجة البيئة الحاضنة المؤاتية، حيث الحريّة شبه مطلقة، وتماثل الفوضى، معطوفة على شلل في المؤسسات، وتفكك أوصال الدولة، بالإضافة الى نهر الأزمات الفائض بأعلى مستوياته، وانشغال المسؤولين بالحرص على مصالحهم الفرديّة، والفئويّة في زمن الإنهيار الأخلاقي، والمعنوي، والمالي، والاقتصادي، والاجتماعي، والمعيشي.
حالة “الانتفاخ”، نتيجة انحلال أواصر العلاقة بين لبنان، وسائر الدول الشقيقة، والصديقة، وهذا ما يشكّل عنصراً مؤاتياً يبيح للوافدين أصحاب المشاريع، والرغبات إلى العمل بجدّ ونشاط لتنفيذ ما يخططون له بحريّة، واطمئنان.
حالة “انتفاخ” نتيجة مخيمات النازحين، واللاجئين، وقد تحوّلت الى جزر، ودويلات قائمة بحدّ ذاتها، لها خصوصياتها.
إلاّ أن التوقيت أساس للإضاءة على الأغراض والخلفيات، حيث يتزامن الإفراج عن خبر توقيف المعارض العراقي مع التطورات المتسارعة بين المجموعات السياسيّة، حول مصير العراق، ومستقبله في المحيط. وحيث العلاقات اللبنانية ـ العراقيّة تشهد المزيد من دفء التعاون، خصوصاً ما يتعلق بالفيول الذي تحتاجه المعامل اللبنانية لإنتاج الطاقة الكهربائيّة؟
ويتزامن الإفراج عن خبر المعارض السعودي، وتهديداته، مع التحسن الذي طرأ على العلاقات بعد النجاح الذي حققته الحكومة اللبنانية في وقف شحنات المخدرات، وضبط المعابر الحدوديّة. وبعد القرار المبدئي الذي اتخذته المملكة بالتنسيق والتعاون مع فرنسا لتفعيل الصندوق السعودي ـ الفرنسي الخاص بدعم الشعب اللبناني، في ضوء التقرير الأخير الذي رفعه بيار دوكان الى إدارته، بعد زيارته الأخيرة اإلى لبنان، والذي أوصى فيه بضرورة البدء في تقديم المساعدات. وبعد تقاطع معلومات دبلوماسيّة تفيد بإستثمار البعض في المعارضة السعوديّة الموجودة في لبنان، ودول أخرى، لتشكيل ورقة ضغط في المحادثات التي تجريها إيران مع المملكة العربيّة السعوديّة.
وتتزامن زيارات قادة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى بيروت، مع التحولات التي تشهدها المخيمات الفلسطينيّة في لبنان، حيث الحديث عن “ثورنتها”، وإخراجها بطريقة مدروسة ومبرمجة من تحت عباءة السلطة الفلسطينيّة إلى رحاب التنظيمات “الراديكالية الثوريّة”.
وتبقى الخشيّة الدبلوماسيّة قلقة من أن تصبح “البحيرة اللبنانية الراكدة”، منطلقاً للمعارضات التي تستهدف أنظمة عربيّة، فيما “بحّارتها” منهمكون بترسيم حدود مصالحهم حول ما تبقى!