/ دايانا شويخ /
“الفزاعة” هي عامود من خشب يضعه الفلاحون في حقولهم ويلبسونه من ثيابهم القديمة كعلاقة ثياب منزلية، ليوحوا للثعالب أن هناك كائن بشري ينتظرهم، ما يؤدي لهرب الثعالب والحيوانات البرية، ويبقي المزارع بمنأى عن غزواتها.
ويبدو أن الغرب، القلق من تنامي الإنفتاح المالي على الصين من الدول النامية، خصوصاً في آسيا وأفريقيا، حيث تحمل الصين أكبر فائض نقدي سائل في العالم، ما يتيح لها أن تكون ابرز الدائنين الذين يستثمرون في سندات الدين الأميركي الفيدرالي بقرابة 6.3 تريليون دولار، قد وجد في نظرية “دبلوماسية فخ الديون”، التي يتهم الصين بتطبقيها لوضع أصول الدول النامية تحت سيطرتها، ضالته لصناعة فزاعة تبعد دول العالم النامي عن الصين، وتظهيرها وحشاً مفترساً يضمر الشر، خصوصاً مع تعثر بعض الديون الأفريقية، وما أثير حول طرق تسويتها. بينما تبدو الصين وقد عدلت مقاربتها لأشكال تمويل المعتمدة، فطبقت مع باكستان نموذجاً مختلفاً يطغى عليه الطابع الاستثماري ضمن مفهوم الشراكة، ما جعل النقاش حول الديون الصينية قضية دولية راهنة، سواء في الحرب الإعلامية الدائرة بين بكين وواشنطن، أو في السباق على النفوذ الصيني الغربي في أفريقيا وآسيا.
في هذا السياق، وجهت الولايات المتحدة، مؤخراً، اتهامات متكررة للصين بشأن ما يسمى “دبلوماسية فخ الديون”. وفي المقابل، انتقدت الصين مزاعم الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بشأن “فخّ الديون الصينية” في افريقيا، مقدمةً قائمة من البيانات لإظهار التعاون المربح بين الصين وأفريقيا. وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، المسؤولين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية، “لسعيهم إلى دقّ إسفين بين الصين والدول النامية الأخرى من خلال تضخيم ادعاء كاذب”.
ما هو مصطلح “فخّ الديون” الصينية؟
دبلوماسية فخّ الديون، هي مصطلح تستخدمه الولايات المتحدة والدول الغربية لانتقاد السياسة الخارجية للحكومة الصينية، حيث يزعم المصطلح أن الصين تعمد لتقديم ائتمان مفرط إلى بلد مدين آخر بنيّة مزعومة لاستخراج تنازلات اقتصادية أو سياسية من الدولة المدينة، عندما تصبح غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون. في حين ترى الصين أن الولايات المتحدة هي التي تدمر أسس التنمية وقدرة سداد الديون للبلدان النامية، وتجبرها على الانصياع للقواعد المالية الأميركية من خلال سياساتها النقدية وهيمنتها، مما يضعها في فخ الديون الأميركية.
دبلوماسية فخ الديون… حقيقة أم أسطورة؟
يرى الصحافي في “مجموعة الصين للإعلام”، تشو شيوان، أن ما يسمى “فخ الديون الصينية” كذبة اختلقتها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى، لإلقاء المسؤولية واللوم على غيرها. فالدول النامية تقترض بشكل رئيسي من المقرضين التجاريين ومتعددي الاطراف. ووفقا لشيوان، أوضحت احصاءات الديون الدولية للبنك الدولي أنه بنهاية 2020، شكلت ديون الدائنين التجاريين ومتعددي الأطراف 40 في المئة و34 في المئة من الدين العام الخارجي لـ 82 من الدول ذات الدخل المنخفض والدخل المتوسط الأدنى، وأن نسبة الدين العام الخارجي المستحقة على هذه الدول من جانب الدائنين الرسميين الثنائيين تبلغ 26 في المئة منها أقل من 10 في المئة للصين.
ويضيف ” في السنوات الأخيرة، اقترضت الدول النامية ديونها الجديدة من مقرضين تجاريين غربيين ومؤسسات تعددية غربية، بشكل رئيسي. وأوضحت إحصاءات البنك الدولي أنه بين عامي 2015 و2020، شكلت الديون التجارية والتعددية والثنائية الرسمية 42 في المئة و35 في المئة على التوالي من 475.2 مليار دولار هي قيمة الديون الخارجية الجديدة للدول ذات الدخل المنخفض والدخل المتوسط الأدنى. وان مدفوعات الديون المتوسطة وطويلة الأجل المستحقة على الدول النامية، تدفقت بشكل رئيسي إلى المقرضين التجاريين والمؤسسات التعددية في الغرب”.
وفي ذات السياق يعتبر الخبير في الشؤون الاقتصادية زياد ناصر الدين أن مصطلح “فخ الديون” هو مصطلح غير صحيح اقتصادياً، وأن ادعاء وجود المصطلح هو لمحاربة الواقع الاقتصادي الصيني الصاعد بشكل كبير الذي كسر الاحادية الاقتصادية الموجودة اليوم والتي كانت مفروضة على العالم.
ويقول: “اليوم، عندما نتحدث عن دولة مثل الصين أصبح ناتجها المحلي أكثر من 19 ألف مليار دولار بشكل يوازي الناتج المحلي الموجود في الولايات المتحدة الاميركية، وخلال سنتين أو ثلاث سنوات سيكون نفس الناتج المحلي، وفي السنوات العشرة القادمة يقدر ان يكون ضعف الناتج المحلي في الولايات المتحدة الأميركية، هذا يعني أن هناك دولة تمتلك قدرة انتاجية هائلة، لديها تخطيط اقتصادي صائب، وتقدم مساعدات لدول بشكل مختلف عن ما يتم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فالصين تقدم مساعدات بشروط أفضل وبشكل يسمح للدول التي تحصل على مساعدات من الصين ان تؤسس كياناً اقتصادياً ناجحاً”.
ويضيف: “اليوم الصين تقوم بشراء ديون لكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث عرضت الصين على أوروبا شراء كافة ديونها، كما أنها انقذت أوروبا خلال جائحة كوفيد 19، كدول مثل اسبانيا وإيطاليا التي كانت الصين أكبر داعم لها لإنقاذها. وبالتالي، الواقع الصيني الذي يرتبط حكما بطريق الحرير، هو واقع تخطيطي اقتصادي لتوسيع علاقات التعاون الاقتصادي عبر العالم”.
ويتابع ناصر الدين: “اما افريقيا التي تعتبر جزءاً من الاسواق. فالدول الغربية والاقتصاد الغربي يرى ان هذه الدول الصغيرة تمتلك بعض مصادر الطاقة والمواد الخام التي يجب الحصول عليها، في حين تتعامل الصين مع الدول الافريقية على أساس أنها سوق كبير لديه استهلاك ولديه حاجات، وبالتالي تقوم بتخطيط لإنماء هذا السوق لانه جزء مكون ورئيسي من نتائج طريق الحزام، والطريق المخطط له صينيا لتعاطي التجارة الدولية مع كافة دول العالم”.
آليات التمويل الصيني لأفريقيا
يعتقد الباحث ناصر الدين أن الصين لا تتعامل مع أفريقيا بموضوع الديون والاستدانة كما الغرب الذي أدخل الدول الافريقية بكثير من الديون والقروض، لان القروض جزء من التحكم والسيطرة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة على الاقتصادات.
ويعتبر أن “ما تعرضه الصين على أفريقيا هو تجارب انتاج، وبالتالي هي تتجه لتحقيق استقلالية اقتصادية، كنقل الخبرة الصينية إلى دول اخرى لتطوير اقتصادها ومرافئها وجعلها انتاجية. لكن الفرق هو عندما يقدم البنك الدولي قرضاً ويطلب ضمانات والمطلوب تسديده، أما الصين فتتجه إلى العمل على تقديم قروض وهبات ومساعدات للانتاج لتحسين المرافئ، ويتم التصويب عليها على انه لا يوجد قدرة على التسديد بسبب الفساد، وبالتالي يدّعون ان المشروع فاشل والصين دولة فاشلة”.
ويضيف: “أما التصويب على أن المشروع الذي تدخل فيه الصين هو فاشل والمشروع الذي يدخل فيه صندوق النقد هو مشروع ناجح، فهو تصويب سياسي. وعلى سبيل المثال، الدول الخليجية كالسعودية والامارات ودول أخرى، تقوم باتفاقيات تعاون واستثمارات هائلة مع الصين، حيث وصلت الإمارات إلى 23 مليار دولار السنة الماضية، أما السعودية فتخطط لمشروع يفوق مليارات الدولارات سنوياً، وبالتالي هناك الكثير من الدول تستفيد، فأوروبا يتم تصنيع كل انتاجها في الصين ضمن المواصفات الاوروبية، وبالتالي الصين هي دولة تخطيط انتاجي وليست دولة استعمار اقتصادي كما يسوق لها الغرب.”
الاستيلاء على الأصول في حال التخلف عن السداد؟
يعتبر الباحث ناصر الدين أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعتمدان الأسلوب نفسه، وبالتالي التخلف هو ليس مطلوباً بل المطلوب وجود اتفاق واضح. وهو ما سعت إليه الصين بعد تجاربها مع دول عديدة، حيث تدخل الصين بواقع شراكة تقوم هي بالتطوير والتشغيل، وفي المقابل تحصل على حقوقها وتنمي البلد اقتصاديا.
ويضيف: “كل تجربة اقتصادية تحتاج إلى بعض الوقت لتتطور، أما تصوير الصين على أنها تسيطر على أصول البلد فأمر خاطئ، فالصين ليست جمعية خيرية لكن في الوقت عينه تتعلم من تجاربها وتحاول أن تساعد البلدان على تطوير اقتصادها وتنميته بشكل كبير. فشعار الصين في العمل هو مبدأ التنمية المستدامة الاقتصادية الحقيقية والشراكة للمرافئ لتطويرها. بمعنى آخر لا تدخل الصين الدول لتسيطر عليها سياسياً واقتصادياً، بل على أساس تحقيق تنمية اقتصادية، لأن التنمية الاقتصادية هي التي تؤمن لها استمرارية وقوة لاقتصادها الضخم والمتطور حالياً في العالم. وبالتالي الفرق اليوم بين الصين والغرب أي بين الشرق الغرب، أن الشرق يعطي بينما الغرب يأخذ”.
المقارنة بين التمويل الصيني وأشكال التمويل الغربي
يرى الإعلامي الصيني شيوان، أن الاقتراض من المقرضين التجاريين الغربيين، أكثر كلفة مقاربة بالصين. وإذا ضربنا مثالاً بأفريقيا، ذكرت مؤسسة “عدالة الديون” البريطانية، بناءً على بيانات صادرة عن البنك الدولي، ان نسب الفائدة على القروض الرسمية والتجارية الصينية الى الدول الافريقية أقل من الفائدة على القروض التجارية التي تقدمها الدول الاخرى. كما أنها أقل بكثير من نسب الفائدة على السندات الحكومية التي مدتها 10 سنوات، بحسب الأرقام الصادرة عن بنك التنمية الافريقي.
بالاضافة إلى ذلك، يقول شيوان، تأتي الديون المقدمة من الصين بنسب فائدة ثابتة، بينما دائماً ما يقدم المقرضون التجاريون الغربيون نسب فائدة متقلبة. وبينما يدخل الدولار الأميركي دورة ارتفاع أسعار الفائدة، تواجه الدول المدينة ضغطاً متزايداً بشأن الديون المستحقة عليها. في حين أن المقرضين التجاريين والمؤسسات التعددية في الغرب، غير مشاركة في الجهود العالمية التي تستهدف تخفيف وتعليق خدمة الديون.
تنافس الغرب والصين على التمدد الاقتصادي
يرى ناصر الدين أن الغرب يحمل الصين أزمات الدول الأفريقية باعتباره جزءً من الصراع السياسي والغربي، فالغرب لا يرغب في أن تدخل الصين إلى افريقيا لأنه يقوم بسرقة مصادر الطاقة والخيرات الطبيعية الموجودة في الدول الافريقية، فالدول الغربية لا تريد لأي دولة أن تدخل وتقوم بتطوير انتاجي والقول لهذه الدول انكم تمتلكون وبشكل واضح مصادر مهمة يمكن الاستفادة منها، لذا يحاول الغرب فرض حصار على الصين.
ويضيف “إذاً الصراع بين الشرق والغرب اليوم هو على الامتدادات الاقتصادية، والواضح أن الغرب يقوم بتشويه الصورة الصينية بشكل كبير، لكن سرقة الغرب لمصادر الطاقة وكل المصادر المهمة الموجودة في أفريقيا لا يتم الاضاءة عليها، بل يتم الاضاءة على مشاكل الصين فقط. الصين هي دولة لديها مخطط، ولديها رؤية وتطوير وتنمية، بينما الغرب أثبتت كل الدراسات أنه يعتمد على سياسة الاستغلال والاستعمار الاقتصادي وسرقة خيرات الدول وعدم السماح لهذه الشعوب، وخاصة الافريقية، من الاستفادة من خيراتها الموجودة بكثافة وبحجم كبر جداً”.
يختم الصحفي شيوان أنه عندما تُثار ضجة من سياسيين ووسائل إعلام في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الاخرى بشأن ما يسمى “فخ الديون الصيني” علناً بالرغم من هذه الحقائق، يتضح ان هدفهم الحقيقي هو خلق فخ سردي لزرع الفتنة بين الصين والدول النامية الاخرى، وعرقلة التعاون بين الصين وتلك الدول، وإعاقة نموها. لكن الدول النامية ومن لديهم نظرة ثاقبة عن بقية المجتمعات الدولية لن يصدقوا هذه الخدعة.