/ غاصب المختار /
يحكم الشلل الأداء الرسمي بشكل مطلق وعلى كل الصعد، حتى أن الخلاف داخل حكومة تصريف الأعمال حول ملف إعادة النازحين، انفجر على نحو عنيف بين رئيسها نجيب ميقاتي ووزير المهجرين عصام شرف الدين، عدا الخلافات حول ملف الكهرباء وتسعير الدولار الجمركي وتوحيد سعر صرف الدولار، ودور المصرف المركزي في كل هذه الألاعيب والخلافات السياسية القائمة، فيترك الدولار سائباً مرة ثم يتدخل مرة أخرى للجمه، مروراً بتعثّر ترسيم الحدود البحرية، وصولاً إلى تعثّر الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، لأسباب باتت معروفة تتعلق بالحسابات السياسية لكل طرف معني بالاستحقاق الحكومي، ومن ثم الاستحقاق الرئاسي.
هي حروب المصالح المتضاربة والمتناقضة بين القوى السياسية على ملفات كبيرة وصغيرة، تحكمها المصالح السياسية الضيقة من دون الالتفات إلى مخاطرها وأضرارها على المواطنين وعلى الاقتصاد بشكل عام، ولا سيما الصناعيين والمزارعين، المفترض في دولة تحترم نفسها وشعبها وتصون مستقبلها، ان تدعمهم، لأنهم في ظل الأزمة العالمية، الغذائية والاقتصادية غير المسبوقة، يشكّلون عماد الانتاج الوطني والاستقرار المعيشي والاجتماعي.
لم ينسَ الناس بعد أزماتهم حول الكهرباء واشتراكات المولّدات الخاصة، حتى جاءها ارتفاع سعر الدولار الى ما فوق 33 ألف ليرة، والكلام عن رفع سعر الدولار الجمركي إلى 20 ألف ليرة، ليزيد المعاناة. لكن منذ ان رفض رئيس الجمهورية ميشال عون توقيع مرسوم الدولار الجمركي على سعر صيرفة (26 الف ليرة) لم يقارب هذا الموضوع منذ رده للمرسوم، وهو اقترح ان يكون رفع الرسم تدريجياً وليس دفعة واحدة، ووفق مقتضيات الواقعين المالي والاقتصادي، بحيث أنه يُمكن أن يبدأ بنصف قيمة منصة صيرفة، أي بحدود 12 ألف او 13 ألف ليرة وليس أكثر من ذلك، لحين الاتفاق على اجراءات أخرى تحدّ من تدهور قيمة الليرة، إذا كان هناك من توجّه للجم الدولار السياسي.
وثمة قناعة عند قسم كبير من السياسيين والنقابيين والمتابعين أن لا حلول فعلية قريباً، وأن التلاعب بسعر الدولار هو تلاعب سياسي قد يستمر حتى نهاية عهد الرئيس عون، لتقفل بعدها كل ملفات الاصلاح والملاحقات المفتوحة بحق الفاسدين والمفسدين، ولتركب في ادارة البلاد والعباد تركيبة جديدة يتقاسمها النافذون في السلطة والراسخون في تجويع الشعب.
لكن يبدو أن المسؤولين عن القطاع المالي في وادٍ والناس الاخرين في وادٍ، والشعبوية السياسية التي تجلّت بقرار رفع قيمة الاجور للموظفين المدنيين لاسترضاء هذه الشريحة من الجمهور، قد تقابلها انتفاضات شعبية خطيرة إذا استمر التلاعب بقوت الناس وأسباب معيشتها. ذلك أن اليد التي ستعطيهم باليمين فتاتاً ستأخذ منهم أضعافاً بالشمال، كما حصل في كارثة سلسلة الرتب والرواتب غير المدروسة قبيل الانتخابات النيابية العام 2018.
وعليه، لا بد من وقف لعبة “تركيب الطرابيش” القائمة بين المصرف المركزي وبعض أركان الحكومة المعنيين بالوضع النقدي والمالي والاقتصادي، والبحث عن إجراءات سريعة عملية أكثر فعالية.