/ محمد حمية /
فرض اختراق باخرة التنقيب النفطي “إنرجين” الألمانية للخط رقم 29، استعداداً للعمل في حقل “كاريش”، على الطاقم الرسمي اللبناني، إعادة ترسيم وترتيب الأولويات، وأعاد ملف ترسيم الحدود البحرية الى سطح المشهد بعدما خفت نوره خلال الأشهر القليلة الماضية، ما يضع البلد أمام خطر استراتيجي يضاف الى سلسلة المخاطر التي تتهدد لبنان على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية.
مصدر مطلع على الملف كشف لموقع “الجريدة” أن “إسرائيل، وخلال المفاوضات غير المباشرة مع الوفد العسكري اللبناني في الناقورة، عملت على تقطيع الوقت والمناورة، بالتواطؤ مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي كان يتنقل بين المقار الرئاسية لنقل رسائل التهديد بالعقوبات المالية إذ طالب لبنان بالخط 29، وذلك للوصول الى مرحلة فرض الأمر الواقع وإدخال باخرة التنقيب الى حقل كاريش، مستغلة عدم تأكيد لبنان الرسمي على الخط 29 كخط رسمي ـ حدودي لا تفاوضي، وانشغال لبنان بالانهيار الاقتصادي والمالي وانقساماته السياسية والطائفية والفراغ في المؤسسات”.
الكرة الآن في ملعب الدولة وأركانها ورؤسائها والحكومة ومجلس النواب.. فلماذا لا يدعو رئيس الجمهورية إلى جلسة طارئة للحكومة للخروج بقرار وموقف موحد يحدد الخط الذي يرسم حدود لبنان البحرية؟ ولماذا لا يعرض الأمر على مجلس النواب وها نحن أمام مجلس جديد يضم كافة الأطراف؟ فهل يجرؤ “نواب التغيير” وأغلب نواب السلطة على التصويت لخط الحدود البحرية 23 أم 29؟
وهل يقدم رئيس الجمهورية على خطوة تُغيّر في المعادلة الحدودية – النفطية القائمة ويفرض أمراً واقعاً على واشنطن و”تل أبيب”؟ أم فات الأوان وما كتب قد كتب؟
مصادر مطلعة على موقف بعبدا تشير لـ”الجريدة” إلى أن “عون تسلّم ملف الترسيم من رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ حوالي العام بعد إنجاز اتفاق الإطار، وأعطى فرصة لجولات المفاوضات غير المباشرة التي حصلت بين الوفد العسكري اللبناني والوفد الاسرائيلي في الناقورة بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة، وكان كلام الموفد الأميركي وقتذاك آموس هوكشتاين يحمل في طياته رسائل تهديد للبنان، بأن فرض التفاوض من الخط 29 سيؤدي الى انسحاب الوفد الاسرائيلي وتوقف الوساطة الاميركية، وبالتالي الاطاحة بالمفاوضات ويخسر لبنان حقه في ثروته، وتتجه الأمور الى حرب، ففضل عون التمهل في توقيع المرسوم 6433 حرصاً على الوساط الأميركية واستمرار التفاوض، لكنه احتفظ بهذه الورقة لاستخدامها في أي وقت مناسب. وعندما تجمدت المفاوضات تمهل عون باستخدامها لسببين: الأول، أنه لم يسجل اي خرق اسرائيلي للخط 29. والثاني، إنجاز الانتخابات النيابية وتأليف حكومة جديدة تجنباً لأي توتر أمني وعسكري على الحدود في ظل الواقع اللبناني المنقسم سياسياً على أبواب الانتخابات وفي ظل واقع الانهيارات الاقتصادية والمالية في البلد”. لكن بعد وصول الوساطة الاميركية الى طريق مسدود، ترجح المصادر أن يدعو عون الحكومة الى اجتماع استثنائي لتعديل المرسوم وإرساله الى الامم المتحدة، والطلب من الاميركيين استمرار التفاوض من الخط 29″.
هل يتدخل “حزب الله”؟
لم يتدخل “حزب الله” وفق مصادر مواكبة لموقفه، منذ البداية في الملف، وترك التفاوض للدولة وللوفد العسكري التفاوضي في مفاوضات الناقورة، وأكد وقوفه خلف الدولة، المعنية الوحيدة بالتفاوض وبرسم الحدود البحرية وتحديد كيفية مواجهة الخطر وردع الاحتلال وحماية الحقوق السيادية والثروة النفطية والغازية، وبالتالي هو مستعد للتنسيق مع الدولة بالرد على العدوان. لذلك، فإن الحزب، وفق المصادر، لن يتخذ أي قرار، ولن يستخدم وسائل الردع العسكرية التي يملكها قبل توافق المعنيين بالدولة على الخط الحدودي وكيفية الرد، لأنه لن يتحمل مسؤولية حرب من دون شرعية وطنية وشعبية وتوافق رسمي.
أما الذين ينتقدون الحزب على صمته أزاء الخرق الاسرائيلي، وأنه يتذرع بالوقوف خلف الدولة، ويستفزونه للرد لتوريطه بحرب بقرار منفرد خارج عن الدولة لإثارة الرأي العام الداخلي والعالمي ضده، فهم أنفسهم الذين لطالما طالبوا “حزب الله” بعدم التفرد بقرار الحرب والسلم، واحترام سياسة النأي بالنفس، وعدم توريط لبنان بحروب واتخاذ الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من الجنوب كمزارع شبعا ذرائع واهية للحفاظ على سلاحه.. وفي منطق هؤلاء فإن بلوك 9 ذريعة واهية ولا تستحق حرباً لتحريرها، فلماذا إذا يأخذون على الحزب عدم التدخل وانتظار موقف الدولة الرسمي؟
الباخرة “انرجين” وضعت نواب “التغيير” أمام أول امتحان في السيادة، ففضلوا الهروب الى الأمام عبر دعوة مجلس الأمن الدولي للطلب من الجيش اللبناني حماية الحدود! فهل يحتاج الجيش لإذن من مجلس الامن للدفاع عن أرضه ومياهه وثرواته؟! واستطراداً هل يملك الجيش الإمكانات العسكرية وقبة حديدية بحرية، كالتي تملكها إسرائيل، لردع العدوان؟ فلماذا زج الجيش في حرب معروفة النتائج؟ هل يريدون حماية لبنان أم فقط منع “حزب الله” من التدخل لتهديد أمن إسرائيل وعرقلة مشروعها باستخراج الغاز؟
ويبرر هؤلاء الاعتداء الإسرائيلي البحري على لبنان ودخول الباخرة، بتقصير عون عن توقيع المرسوم وإرساله الى الامم المتحدة.. لكن هل استطاعت الأمم المتحدة، على مدى عقدين من الزمن، إلزام اسرائيل بتطبيق عشرات القرارات الدولية والانسحاب من الأراضي البرية اللبنانية؟ أم أن المقاومة هي التي تمكنت بالقوة العسكرية من تحرير الجنوب وفرض الانسحاب المذل على اسرائيل ومن دون قيد او شرط؟ واليوم هل هناك وسيلة بديلة عن المقاومة لردع الاحتلال وحماية الحدود وتحرير الثروة النفطية من الاحتلال الاسرائيلي؟
واتهمت تلك المصادر الموقف الاوروبي بأنه “متواطئ، كالمواقف الاميركية مع اسرائيل، والسبب الحاجة الاوروبية لغاز المتوسط كبديل عن الغاز الروسي بعد الحرب الروسية – الاوكرانية وقطع الغاز الروسي عن اوروبا، ولذلك تجرأت الباخرة الالمانية من الابحار الى المتوسط”.
لكن السؤال: إذا كان لبنان لا يستطيع التنقيب في البلوك 9 بسبب النزاع مع اسرائيل حول المنطقة الواقعة ضمنه، فلماذا توقفت الشركات الاجنبية عن التنقيب في جميع البلوكات اللبنانية، لا سيما التي لا نزاع حولها، فيما تأتي شركة “انيرجين” الالمانية لتستخرج النفط في المنطقة التي تشهد نزاعاً؟
ألا يؤكد هذا المر وجود قرار خارجي أميركي ـ أوروبي ـ اسرائيلي بمنع لبنان من استثمار ثروته النفطية.