/محمد حمية/
مع انتهاء الرحلة الانتخابية الماراتونية اليوم بسلام وأمان، وإقفال آخر صناديق الاقتراع في منذ قليل، تتجه الأنظار الى نتائج هذا الاستحقاق المصيري الذي تُعوّل عليه مختلف الأطراف السياسية كل من مصلحته ورؤيته.
ففي قراءة للمشهد الانتخابي من جوانبه السياسية والأبعاد التي تحملها المنازلات الانتخابية في مختلف الدوائر، يتضح أن لكل فريق أكان من الأحزاب المشاركة في السلطة أو خارجها، أو من مجموعات المجتمع المدني والمستقلين، ينظر من منظاره السياسي ورهاناته المستقبلية وأهدافه في تحديد حجمه السياسي وموقعه في المعادلة الداخلية والاستحقاقات الدستورية المقبلة.
لكن المعركة وفق ما تقول مصادر سياسية متابعة للشأن الانتخابي والداخلي لـ”الجريدة”، أبعد من أكثرية وأقلية نيابية، كون في نهاية المطاف ستعود كافة الأطراف المتنافسة من الميدان الى طاولة الحوار عندما تضع المنازلات أوزارها، لتتحاور حول الاستحقاقات المقبلة من رئاسة المجلس النيابي وتكليف رئيس للحكومة وتأليف حكومة جديدة فضلا عن الاستحقاقات الاقتصادية والمالية والنقدية والنفطية وغيرها وصولاً الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
فالمعركة الانتخابية هي معركة إثبات وجود لدى مختلف الأطراف بعد التحولات والمتغيرات التي حملتها عاصفة الأحداث الدموية والمفجعة التي ضربت لبنان منذ 17 تشرين العام 2019 وصولاً الى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ولازالت مستمرة حتى الآن.
فحزب الله شغل كامل طاقاته وإمكاناته لإسقاط كل الرهانات والنظريات عن تراجع شعبيته في البيئة الشيعية والوطنية الحاضنة وبدء انفكاكها عنه بعد أحداث 17 تشرين وضراورة حرب العقوبات والحصار على لبنان، فيجهد حزب الله لإسقاط جدوى الوصفة الأميركية – الخليجية بحصار لبنان حتى الانهيار الاقتصادي والمالي علّه يدفع بالناس الى تحميل حزب الله المسؤولية وبالتالي الانقلاب عليه وقلب الطاولة على رأسه، ولتوجيه رسالة للأميركيين بأن هذه السياسة باءت بالفشل وعليكم تعديل موقفكم وسياساتكم بعدما تظهر نتائج الانتخابات نيل الثنائي أمل وحزب الله كافة المقاعد الشيعية وفوز الحلفاء في التيار الوطني الحر وتحالف المقاومة العريض بالأكثرية النيابية.
في المقابل يحاول الأميركيون والسعوديون بأقصى طاقاتهم عبر جولات السفير السعودي في لبنان وليد البخاري والسفارة الاميركية في عوكر والإنفاق المالي، على خرق لوائح الثنائي ولو بمقعد واحد لـ”التعليم” على حزب الله، ولتظهير صورة تراجع شعبيته.. لذلك هذه الانتخابات هي “جس نبض” أميركي لجدوى سياساتهم في لبنان في الآونة الأخيرة، وبالتالي محطة فاصلة بين استكمال هذه السياسة والعدول عنها لصالح سياسة أخرى قد تكون الانفتاح المصلحي والبراغماتي على لبنان لأهداف سياسية مبيتة.
كما تريد واشنطن حجز مكانة لمجموعات “قوى التغيير” وإثبات صوابية إسقاط الطبقة الحاكمة والنظام السياسي القائم لصالح قوى جديدة تحت شعار “التغيير” ومكافحة الفساد، وهذه الخطة التي بدأت واشنطن بتطبيقها منذ اشعال نيران أحداث 17 تشرين في الشارع، وأن هذه الوصفة الناجعة لاسقاط حزب الله عبر إسقاط النظام القائم الذي يحمي الحزب.
أما السعودية فتحاول جاهدة لتصفية “سعد الحريري” نيابياً وأقصاء اي وجود لتياره في المجلس النيابي، للإيحاء بأن الحريري لم يعد يمثل السنة في لبنان وأن المملكة هي الأصيل والحريري هو الوكيل وها هي السعودية تنزع الوكالة والشرعية الشعبية عنه، وأنها هي التي تمثل السنة، عبر كتلة نيابية سنية يديرها الرئيس فؤاد السنيورة تكون رأس حرب لمواجهة حزب الله، وبالتالي ستكون “المملكة” في مواجهة مباشرة مع “الضاحية”، مع احياء أداة الابتزاز بالفتنة المذهبية.
في المقابل يحاول الحريري تثبيت حقيقة أنه لا يزال الرقم الصعب في الساحة السنية عبر الضغط ما أمكنه للحؤول دون رفع نسبة الاقتراع في الشارع السني، لكي تأتي نسب الاقتراع منخفضة لتكرس تعاطف الأكثرية السنية مع الحريري الذي تمنحه الدفع والدفق الشعبي والسياسي الداخلي والدولي للعودة الى الساحة السياسية من بوابة نتائج الانتخابات النيابية.
أما التيار الوطني الحر فيعمل في الليل والنهار لإثبات أن لا يزال الكتلة النيابية الأقوى في المجلس النيابي، وبالتالي رسملة هذا الحجم والوزن في الاستحقاقات المقبلة، لا سيما الحكومة ورئاسة الجمهورية، كما يريد التيار إثبات حقيقة أن “الثورة” على العهد عقب أحداث 17 تشرين لم تنجح بإضعاف شعبيته لصالح قوى مسيحية كالقوات اللبنانية أو لصالح قوى تغييرية. ولذلك سيسعى للحفاظ على حجم كتلته النيابية إذا استطاع اليه سبيلاً، لكي يبقى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على لائحة السباق الرئاسي.
أما القوات اللبنانية فتسعى للحفاظ على حجمها النيابي الحالي كحد أدنى وحصد مقعد أو مقعدين لكي تتجاوز حجم كتلة التيار الوطني الحر، للايحاء بأن القوات عدلت الميزان مع التيار وبالتالي نجحت بجذب بعض الرأي العام المسيحي اليها وإن بقي التيار القوة المسيحية الأكبر. لكن وفق المعلومات فإن القوات اتبعت تكتيكاً يتضمن ترشيح قواتيين علناً ومرشحين آخرين “قواتيين” سراً تحت شعار المجتمع المدني، فإن نجحوا تحتسبهم القوات ضمن كتلتها وإن خسروا تتبرأ منهم. فضلاً عن أن القوات تسعى لهزيمة باسيل في عقر داره، لإقصائه عن السباق الرئاسي.
من جهتها، تعمل قوى التغيير والمجتمع المدني على حجز مكانة لها في المجلس النيابي الجديد بكتلة نيابية من 10 نواب والايحاء بأن هذه الكتلة تعكس التحول في الرأي العام اللبناني لصالح تلك القوى على حساب شعبية الأحزاب وقوى السلطة.
ويبذل رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط قصارى جهده ويستخدم كافة الأسلحة الانتخابية والسياسية، لتثبيت حضوره وزعامته في الجبل من خلال الحفاظ على كتلته النيابية كحد أقصى والتقليل من خسارته بالحد الأدنى، وهو يشعر بحر المواجهة مع النائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب المدعومين من تحالف أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر.