/ حوراء زيتون /
قبل “17 تشرين”، كان صعباً أن تُرصَد داخل الشارع الشيعي أصوات متباينةً بنفورٍ عن الأصوات الطاغية في الطائفة، أي المؤيدة لـ”الثنائي الشيعي” (كما يسمّى التحالف الذي يجمع حزب الله وحركة أمل منذ الانتخابات النيابية السابقة العام 2018). يومها ـ أي في انتخابات 2018 ـ كانت السمة الطاغية على الطائفة هي التأييد المطلق للائحة “الأمل والوفاء”.
اليوم، وإن كانت هذه السمة ما تزال ظاهرةً وبارزة، إلا أن أصواتاً مطالبةً بالتغيير والابتعاد عن أحزاب السلطة، قد علَت. هذه الأصوات التي كانت خافتةً وخجولة العام 2018، شكّلت لها “17 تشرين” قاعدةً للانطلاق وأرضاً خصبةً للتكاثر، فبات يظهر بوضوحٍ خجولٍ تارةً وفاقع طوراً، وجود تباين، بغض النظر عن حجمه، في الشارع الشيعي.
قد يكون للاحتجاجات التي حصلت صيف 2015 (ذروة تفاقم أزمة النفايات وظهور العديد من التحركات أبرزها طلعت ريحتكم)، أثراً في رفع هذا الصوت المتباين داخل الشارع الشيعي، إلا أن الأكيد أن هذا التبيان لم يعد فاقعاً إلا بعد أحداث “17 تشرين”.
تباينٌ لا يبدو أنه لقيَ أحضاناً دافئةً وسط التمسّك الثابت للشريحة الأكبر من أبناء الطائفة بخيارها الأول: خيار “المقاومة هي الأساس”، رغم التحفظات الكثيرة عند العديد من المؤيدين للثنائي على أداء نوّاب الكتلتين. إلا أن هؤلاء يرون أن الفصل بين هذه وتلك (التحفظات على أداء النواب وانتخاب لائحة الكتلتين) واجبٌ تقتضيه المرحلة بما تختزله من خطورةٍ وحساسية، نظراً للاستهداف الواضح لسلاح المقاومة وكل من يدعم هذا الخيار، سراً أو علناً.
لا يُنكر أحد أن هذا الالتفاف الشعبي الثابت حول “الثنائي”، والانضواء تحت عباءة القيادة المتمثلة بالرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله، قد أثارت دهشة الكثيرين، لا سيّما بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان إلى حدٍ لا يُطاق، وفقدان اللبنانيين أي ثقةٍ بالطبقة التي يرَون أنها سبب إيصالهم إلى هذا الدرك المظلم.
لكن هذا الالتفاف متوقّعٌ من بيئةٍ دفعت ثمن قوة حضورها غاليًا، وانتزعت حريةً حمراء بسيلٍ من الدماء التي جعلت أبناء البيئة يحملونها دَيناً نذروا إيفاءه بأي طريقة، ولعل الاقتراع اليوم، هو إحدى الطرق، التي يرى فيها أبناء البيئة وفاءً تستحقه الجهة التي قدّمت أرواحاً وتضحياتٍ جسام في سبيل حريّتهم وأمنهم وأمانهم.
الفصل بين التضحيات التي قدّمها الحزبان وبين انتخاب لائحة الكتلتين، يراهُ معارضو الثنائي واجباً عقلانياً يستدعيه الوضع المزري الذي يشهده لبنان على كافة الصعد.
هذا الفصل، يراهُ جمهور الثنائي أبعد ما يكون عن العقلانية، إذ يعتبر هؤلاء أن لا خيار واقعي فعلي للتغيير، وكل من رفعوا هذا الشعار سيصطدمون بعقبة عدم القدرة على تحقيق أي إصلاحاتٍ، في بلدٍ تركيبته السياسية باتت محددة وواضحة ومعروفة، وفي مرحلةٍ عنوانها الأساس هو “محاربة المقاومة واسقاط سلاح حزب الله”. هذا العنوان أو الهدف، يظهر جلياً على الأقل في الحملات الإعلانية والخطابات الانتخابية المشتعلة للوائح “المعارضة الشيعية”.
صراعٌ يعيشه الشارع الشيعي للمرة الأولى. صراعٌ بين “الولاء الصادق المستَحَق للدماء التي حفظت البلاد وأهلها”، مع الرغبة بانتشال هذه البلاد من دركٍ سحيق، وصلناه بفعل الفساد والاستهتار، وبين الراغبين بإلغاء “الحصرية” للتمثيل الشيعي.
أيامٌ تفصل الطرفين عن الاستحقاق المُنتظر، فهل يحافظ الثنائي الشيعي على دور عرّاب الطائفة، أم أن “قوى التغيير” ستدخل على الخط وتفتح كوة في المزاج الشيعي العام؟
15 أيار يُجيب.