| جوزف القصيفي |
ومن هنا، فإنّ المعركة ستكون مكشوفة وبلا قفازات، ويُتوقع أن يكون لواشنطن دور كبير في محاولة زعزعة التماسك بين المكوّنَين الشيعيَّين الأقوى: حركة «أمل» و«حزب الله» أولاً، وتطويقهما سياسياً إذا استطاعت ثانياً، وهي قد قامت بمثل هذا الدور في انتخابات العام 2009، لمصلحة «قوى الرابع عشر من آذار» مباشرة وغير مباشرة، لتحتفظ بالأرجحية النيابية التي لم يكن مردودها السياسي في حجم الآمال التي عُقدت عليها، في ضوء المعادلات التي ارتسمت على الأرض واحتفاظ الثنائي بقوّته، على رغم من احتفاظ حلفائها بالأكثرية.
من هنا، فإنّ جميع الأسلحة ستكون مباحة لطرفَي المواجهة، وكذلك عمليات شَدّ العصب، والخطابات العالية السقوف. لكن قبل ذلك كله، سيَبرز عاملا المال والضغط المتعدّد الأوجه. وبالتالي، ستكون المعركة قاسية على الجميع بلا استثناء، وقد تشهد الانتخابات إستنفاراً طائفياً إلى أبعد الحدود على قاعدة «يا غيرة الدين»، الأمر الذي يُخشى معه أن يتحوّل البرلمان تجمّعاً لـ«مجالس مذهبية» تتناحر وتتفاهم Á La Carte، بدلاً من أن تُشكّل فعلاً فرصة لإنتاج سلطة تشريعية على قياس الوطن، ومنسجمة مع المبادئ الدستورية. من هنا يُطرح السؤال المشروع: هل أنّ قانون الانتخابات الحالي يصلح لإنتاج سلطة تشريعية تمثيلية تُعبِّر عن اتجاهات المجتمع اللبناني السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو أنّه يحتاج إلى تعديل جوهري لتنسجم آلياته مع فلسفة وضعه بهذه الصيغة تحت عنوان «صحة التمثيل وعدالته»؟
في الواقع، إنّ القانون الحالي هو «بولدوزر» يمنع غير الحزبيِّين وغير المتموّلين، إلّا في ما ندر، الدخول إلى لوائح، والأمل في الوصول إلى ساحة النجمة. وإنّ الحاجة إلى تعديله لا تفتقر إلى مسوّغات وأسباب منطقية، لأنّ مثل هذا القانون الساري لا يُوفّر فرصاً جادة للتنافس في وجه «المحادل» المنظورة وغير المنظورة، ويُقفل الباب أمام تعدّدية متكافئة نسبياً داخل كل طائفة لمصلحة الأحزاب والتيارات الكبرى التي تمتلك المال والإعلام والماكينة الانتخابية. وإنّ قانون الانتخابات سيكون موضوع سجالات إعلامية، وسياسية واسعة النطاق، قبل أن يُناقَش في المجلس النيابي. وهناك ثمة مَن يُشكّك في إمكان إدخال تعديلات جوهرية على القانون الحالي، لأنّه يلائم كثيراً الكتل النيابية الكبرى القادرة على إقامة حزام واقٍ لها من السقوط، بغرض الإفادة من الحوافز التي يُوفّرها لها.
على أنّ اقتراح الصوتَين التفضيليَّين لا يزال احتمالاً وارداً كواحد من التعديلات الممكنة. في حين أنّ ثمة إشكالية حول موضوع الانتشار: هل سيكون متاحاً له مرّة أخرى أن ينتخب من مناطق وجوده في المغتربات نوابه في الوطن الأم الذين يتنافسون في دوائر لبنان، أو أنّه سيتمّ التقيّد بالنص الذي يقول بأن ينتخب نوابه مباشرة على أساس قاري: أي 6 نواب؟ وكان يُفترض أن يتمّ الانتخاب على أساس هذه الصيغة في استحقاق العام 2022 النيابي، إلّا أنّ العمل بالمادة التي تنص على ذلك، عُلِّق.
في أي حال، وفي انتظار ما سيستقر عليه القانون، فإنّ سيوفاً مسلولة سياسية وإعلامية من غمدها، تتهيّأ للنزال الكبير. لكنّ الهَمّ الأكبر لدى الولايات المتحدة، ومعها الغرب، وبعض العرب، كيف سيُلحِقون خسارة كبيرة أو جزئية بـ«الثنائي الشيعي» لاستكمال تغيير وجه لبنان وموقعه ودوره على كل المستويات. وهي عملية بدأت بُعَيد عملية «طوفان الأقصى» واستمرّت مع «حرب الإسناد» وبلغت ذروتها مع نتائج الحرب الإسرائيلية الوحشية والمدمِّرة على لبنان، بترجماتها السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية.
والسؤال: كيف سيواجه «الثنائي الشيعي» ما ينتظره مع دخول البلاد الاستحقاق النيابي في العام 2026؟