| نقولا الشدراوي |
منذ نضوج وعينا الوطني والسياسي، كُنّا نسأل ونتساءل:
ـ كيف للشعوب والدول الصغيرة والمُستضعفة أن تقف بوجه المصالح الدولية والإقليمية، وضد سياسات الدول الكبرى في الإقليم والعالم، إذا كانت تتعارض مع مصالح الدول الصغرى واستقرارها الأمني والسياسي والإقتصادي؟!
– كيف يقف لبنان، مثلاً، لا سيما في الثلث الثالث من القرن الماضي، في وجه عدوانية “إسرائيل” وتدخل سوريا ونقل قيادة المقاومة الفلسطينية المسلحة، بقدرة قادر، من الأردن إلى لبنان، ومحاولة السيطرة عليه وما يُعرف بنظرية “الوطن البديل”.
– كيف يقف الشعب الفلسطيني منذ 77 عاماً بوجه الإحتلال الإسرائيلي لأرضه، والدعم الدولي المستمر لهذا الإحتلال بعدما تواطأت الدول الكبرى على وهب أرض فلسطين للمنظمات الصهيونية؟ وإذا حاول الفلسطينيون ومعهم العرب استرجاع جزء من أرضهم وحقوقهم، قامت تلك الدول بدعم “إسرائيل” بالمال والسلاح، أما الفلسطينيون والعرب فلهم العقوبات الفردية والجماعية والاتهامات الجاهزة بالإرهاب والشيطنة!
وبعد …
ماذا يفعل الشعب الأرمني المشتّت أمام جبروت الدول المحيطة به، والطامعة بأرضه؟
أو ماذا يفعل الشعب الكردي، المنتشِر بين سوريا وتركيا والعراق وإيران، في محيط لا يريد أن تكون له دولة مع أن تعداده يفوق الخمسين مليوناً؟
كذلك توجد عشرات الأمثلة في العالم لشعوب ودول وقبائل مغلوب على أمرها في جميع القارات، يُفرض عليها مصيرها ولا يُسمح لها بتقريره.
…
بين القوة والحق، الغلبة للقوة!
وما أُخد بالقوة، أثبت التاريخ أنه لا يُسترد بغير القوة.
صحيح، ولكن…
هل باتت القوة في عصرنا الحاضر، في شكلها الحاضر، من غير الممكن مقاومتها؟
إذ أصبحت القنابل الذكية، المحمولة جوّاً، قادرة على الوصول إلى أعمق الطبقات تحت الأرض، وفي قلب الجبال، قبل أن تنفجر، بعد خرق كل التحصينات، داخل الهدف المُستهدف.
وأصبحت التكنولوجيا التصويرية، الموصولة بالأقمار الإصطناعية من جهة، وبالذكاء الإصطناعي من جهة أخرى، الذي وظيفته تحليل كمية هائلة من الـ”داتا” المتدفقة من تلك الأقمار، ومن الهواتف وأجهزة الإتصال والكومبيوتر والكاميرات والرادارات والراوترات والشاشات الذكية الموصولة سلكياً أو لاسلكياً، أصبحت تلك التكنولوجيا متطورة لدرجة غير قابلة لإخفاء أي تحرّك، فوق الأرض أو تحتها عنها، وبالتالي لم يعد ممكناً لأي مقاومة أن تكون فعّالة، إلا إذا أُريدَ لها أن تكون فعّالة، ولم يعد ممكناً لأي دولة داعمة للمقاومة أن تدعم تلك المقاومة بفعالية، إلا إذا أُريدَ لها ذلك.
ما أحاول قوله هنا، أن السطوة أو السيطرة تتطلب أمران: القدرة والقرار. القدرة موجودة، أما القرار فيتم أخذه وفق المصلحة، أو بالأحرى وفق أرجحية توازن المصالح.
بالعودة إلى واقعنا اليوم، في لبنان وسوريا وفلسطين، قد تكون القدرة المتفوقة موجودة، أو وُجدت في السنوات الأخيرة، لكن القرار لم يكن موجوداً، إنما أُخذ القرار الحاسم بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين 2023، تلك العملية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وأخلّت بكل التوازنات الإقليمية الدقيقة التي كانت قائمة ومُحافِظة على الاستقرار النسبي.
السؤال اليوم، هل كان مقصوداً كسر ذلك التوازن الذي كان قائماً؟
ولمصلحة مَن؟
شاهدوا النتائج، ما ترون وتسمعون، تحصلون على الجواب.