| جورج علم |
إلتزم العهد حصر السلاح بالدولة. قال ذلك في خطاب القسم، وأيضاً في البيان الوزاري للحكومة.
صفّقت الغالبيّة في مجلس النواب للرئيس جوزاف عون، وهو يعلن موقفه هذا، وبحماس كبير. فيما نالت حكومة نواف سلام ثقة 95 صوتاً، تأييداً لما جاء في سلّم أولوياتها.
إنتهى زمن الأقوال، وحلّ زمن الأفعال. قرعت الولايات المتحدة الجرس، وبدأ الإمتحان الرسمي لترجمة الشعارات إلى قرارات.
أعلن مسؤول أميركي في البيت الأبيض أن إدارة الرئيس ترامب تقوم بوساطة بين لبنان و”إسرائيل”، منذ عدّة أسابيع، في محاولة لتعزيز وقف إطلاق النار، والتوصل إلى إتفاق بشأن:
• النزاعات الحدوديّة البريّة.
• قضيّة الأسرى اللبنانيّين المحتجزين لدى “إسرائيل”.
• وشروط إنسحاب “إسرائيل” من نقاط خمس متبقيّة في جنوب لبنان.
لم يتحدّث أي مسؤول في بيروت عن وساطة. كان الكلام يدور حول “تحرير الجنوب بالوسائل الدبلوماسيّة”، أي حمل “إسرائيل” على الإنسحاب طبقاً لما نصّ عليه إتفاق وقف النار، ووضع القرار 1701 موضع التنفيذ.
الآن هناك حديث أميركي عن “وساطة”. حول ماذا تدور؟ وهل من إتفاق جديد تحت شعار”وقف إطلاق النار” يصار إلى إعداده؟
تتسع دائرة البلبلة، والأسئلة الصعبة، حول مواصفات اليوم التالي في الجنوب، وفق ما تريدها الولايات المتحدة، بالتنسيق، والتعاون مع “إسرائيل”، ومدى قدرة الحكومة اللبنانيّة على القبول، أو الرفض؟
ويتحدث المسؤول الأميركي عن “النزاعات الحدوديّة”، ودور الوساطة في “تدوير الزوايا الحادة”. لكن لم يشمل كلامه وضوحاً حول إتفاق الهدنة، (1949)، الذي يرسم الحدود النهائيّة مع فلسطين المحتلة، ولم يشر إلى ما إذا كان له من مكان على “جدول الوساطة”!
ويؤكد على “شروط” مقابل “إنسحاب إسرائيل من النقاط الخمس”، أولها حصر السلاح بالمؤسسات الأمنية الشرعيّة.
هنا “بيت القصيد”. وهنا الإمتحان الصعب. يقول بعض السفراء إن “حزب الله أصبح حاجة إسرائيليّة، وفي كلّ يوم يتشبث فيه بسلاحه، إنما يسدي خدمة لإسرائيل، ويوفّر لها ذريعة كي تستمر بعدوانها. وأصبحت المعادلة مكشوفة: الحزب يتمسّك بموقفه، إسرائيل تدمّر، ويدفع لبنان الثمن”!
ويقف الحزب بدوره أمام منعطف. القرار الإستراتيجي ليس عنده، بل عند المراجع العليا في طهران. وإذا ذهبت الأمور ما بين الولايات المتحدة، وإيران نحو المواجهة، فهناك أجندة جديدة يفترض بالحزب تنفيذ مندرجاتها بمعزل عن حسابات الربح والخسارة التي قد تترتّب على الساحة اللبنانيّة. أما إذا ذهبت نحو الحوار والتفاهم على “المصالح المشتركة”، فهذا يعني أن الزوايا النافرة يمكن تدويرها للوصول إلى إنسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانيّة.
واللافت أن صاحب “الوساطة” يتحدّث عن خريطة طريق، عن هندسة لطاولة الحوار، وعن “مجموعات عمل” من دبلوماسيّن متخصّصين، سواء من لبنان، أو الولايات المتحدة، أو “إسرائيل” يلتقون في وقت مبكّر من الشهر المقبل.
ويلاقي الجانب اللبناني هذه المستجدات بتكتم شديد. لا بيان، لا توضيح حول حقيقة ما يجري. وحول ما يخطّط له الأميركي بالتنسيق والتفاهم مع الإسرائيلي، يتحدّث إعلام العدو عن أشواط قطعتها الوساطة الأميركيّة. رئاسة الحكومة الإسرائيليّة تؤكد أن “إتفاقاً قد تمّ على إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة مع لبنان، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة”. والبيان الصادر عن مكتب نتنياهو يشير بوضوح إلى أنه “بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وفي بادرة حسن نيّة حيال الرئيس اللبناني الجديد، قرّرت إسرائيل الإفراج عن خمسة معتقلين لبنانيّين”.
البيان الذي صدر عن قصر بعبدا، تجاوز “اللغم” الإسرائيلي الذي زرعه نتنياهو في بيانه، وكان حاسماً لجهة التأكيد على أن “الإفراج عن المعتقلين قد تمّ نتيجة الجهود التي قادها الرئيس جوزاف عون”.
أصبحت المنطقة أشبه بمرجل يغلي، وتقف أمام تحديات مصيريّة، وعند فوّهة بركان ناشط. متى ينفجر، وكيف، وما هي التداعيات؟ هذا سؤال كبير يشغل الملوك والرؤساء والأمراء المنهمكون بمتابعة مزاجية دونالد ترامب المتقلّبة، وقراراته الفجائيّة، والتي تبدو في غالب الأحيان متسرّعة.
ولبنان، كما العرب، هو جزء من هذه المنطقة، وما عليه، أكثر مّما له. شعب مقيّد بسلاسل طائفيّة وفئويّة ومذهبيّة، وفراغ هدم ما تبقى من مؤسسات الدولة، وفساد إنتشرت روائحه لتبلغ المدى البعيد، وتزكم أنوف الدول الشقيقة والصديقة الغيورة على الوطن المشرذم. إنطلقت محاولة للإنقاذ مع إنتخاب جوزاف عون رئيساً، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة القاضي نواف سلام، إلاّ أن التحديات كبيرة، والأجواء عاصفة، فيما تصحو المنطقة على ترددات الزلزال الترامبي، وتغفو على تموجات القلق حول المصير والمستقبل.
يحاول المسؤول اللبناني أن يحدّد موقعه من الوساطة الأميركيّة. لا يستطيع أن يرفضها تحاشيّاً للتداعيات المكلفة، ولا أن يقبل بها في ضوء الإملاءات الإسرائيليّة. يستطيع أن يحصّن موقفه:
أولاً، عن طريق التمسّك بإتفاق الهدنة، والحدود التي وافق عليها كيان الاحتلال في العام 1949. والإصرار على تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار كما تمّ التفاهم حول بنوده من دون زيادة أو نقصان. والتشديد على تنفيذ القرارات الدوليّة الصادرة عن مجلس الأمن، خصوصاً القرار 1701.
ثانيّاً، تكثيف الحوار مع الوسيط الأميركي كي يلعب دور الحكم العادل، لا دور المنحاز لمصلحة “إسرائيل”.
ثالثاً، فتح النوافذ على الدول الشقيقة والصديقة التي لها مصلحة بلبنان المستقر، الموحّد، صاحب السيادة الناجزة على ترابه الوطني، لمدّه بكل مساعدة ممكنة تدعم مسيرة النهوض والإنقاذ…
لكن هل يقبل الوسيط الأميركي..أم يريد الدفع نحو التطبيع؟