إعادة تدوير الردميات بنسبة 70%

جريدة الاخبار اللبنانية | الصحف اللبنانية

| راجانا حمية |

بين حرب تموز 2006 وحرب 2024، فوارق بعشرات ملايين الأمتار المكعّبة من الركام الذي خلّفه قصف العدو. بحسب التقديرات الأولية غير النهائية، يقدّر المعنيون كمية الركام بنحو 12 مليون متر مكعب (استناداً إلى تقديرات البنك الدولي لحجم الركام بـ 4,5 ملايين متر مكعب حتى 27 تشرين الثاني الماضي، واعتمد الحساب بضرب هذا الرقم بثلاثة) وهو ما يوازي مرتين ونصف مرة ما كانت عليه بعد عدوان 2006. وهذا ما يعزّز الحاجة إلى إدارة سليمة لهذا الملف. وفي هذا السياق، يبرز توجه نحو اعتماد نهج جديد يقوم على تحويل الركام إلى قيمة مستفادة عبر إعادة تدويره بنسبة تصل إلى 70%، على أن تذهب النسبة المتبقية إلى المطامر.

الركام كسلعة قابلة للتدوير

ليست أزمة الركام عابرة كونها تمسّ البلد بأكمله في نظامه الاقتصادي والبيئي. وبحسب التقديرات، فإن قيمة الدمار الذي لحق بالبنية التحتية المادية وحدها «لا يقلّ عن 3.4 مليارات دولار، فيما قدّرت الخسائر الاقتصادية الإجمالية للحرب بنحو 5.1 مليارات دولار»، بحسب دراسة للجامعة الأميركية في بيروت. ودون هذا الدمار مفاعيل سلبية على البيئة، إذ يتسبّب سوء إدارة النفايات الصلبة في خسائر تقدر بما لا يقلّ عن 66.5 مليون دولار سنوياً. ولنا في هذا المضمار مثال حي على ما حدث عقب حرب تموز 2006، إذ رميت المخلّفات بلا معالجة في البحر، فكيف سيكون عليه الحال مع عشرات الملايين من الأمتار المكعّبة التي خلّفها عدوان 2024؟

وهذا سؤال مشروع، إذا ما أخذنا في الحسبان أن إدارة أضرار الحروب والكوارث في لبنان واجهت تاريخياً عدداً من التحديات بسبب الافتقار إلى الأدوات الحكومية للإشراف على إدارة هذه الأضرار وتحفيزها وتنظيمها. وأحد العوائق الرئيسية هو النهج المعتمد إزاء هذا الملف، سواء في أوقات السلام (أزمة النفايات عام 2015 مثالاً) أو في فترات الحروب، إذ يتمّ التعاطي بسطحية مفرطة، ويكون التوجّه نحو رمي المخلفات في المكبات والمطامر.
ولذلك، فإن الحلول اليوم أمام مخلفات الحرب الأخيرة هو اعتماد نهج يقوم على الاستفادة منها ما أمكن، وتخفيف كمية العوادم التي يمكن التخلص منها آخر المطاف سواء في الأماكن المتدهورة بيئياً كالكسارات والمقالع أو في المطامر. وفي هذا السياق، تشير دراسة للجامعة الأميركية في بيروت نشرت أخيراً تحت عنوان «إدارة أنقاض الهدم في أعقاب صراع لبنان عام 2024» إلى طرق الاستفادة من مخلّفات الحرب، عبر تطبيق مفهوم «الإدارة الناجحة»، عبر اعتماد «سياسات حكومية استباقية مترافقة مع أنظمة واضحة، والأهم من ذلك قابلة للتنفيذ، واعتماد آليات مراقبة، بالتعاون مع أصحاب المصلحة، وأنظمة بيانات شاملة للتتبع من مرحلة التوليد إلى مرحلة التخلص منها». وبحسب الدراسة، «تعدّ هذه العناصر، إلى جانب تحديد أسواق المواد المعاد تدويرها، ضرورية لإستراتيجيات إدارة أضرار التالف من النفايات في لبنان، أياً يكن نوعها».

وفي ما يخصّ مخلفات الحرب، تستند الدراسة إلى إمكانية تنفيذ نموذج إعادة التدوير المغلق CDW، بما يؤدي إلى خلق قيمة من الحطام وتحقيق مكاسب اقتصادية، وذلك عبر فرز المواد وتنظيفها وإعادة توظيفها في جانبين أساسيين: البناء الجديد أو التطبيقات الصناعية. ويضمن هذا النهج استخلاص المواد بالكامل وإعادة استخدامها وحماية النظم البيئية الطبيعية وعدم إجراء أي استخراج غير ضروري للركام. أما الآثار الإيجابية غير المباشرة لهذه العملية فتتجلى في مختلف القطاعات الاقتصادية والبيئية، ولا سيما في الزراعة والمياه والسياحة.

وتتجلّى الاستفادة في ثلاثة جوانب أساسية: توفير مواد تدخل في تصنيع الترابة مثل كتل البناء لاستخدامها في إعادة بناء المباني عبر إعادة إنتاج مكعبات خرسانية بما يجعله خياراً أكثر صداقة للبيئة، بحيث يتم امتصاص كمية كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون أثناء تكسيره إلى جزيئات أصغر بما يقلل نسبة هذا المكون في الغلاف الجوي. أضف إلى ذلك تأهيل البنى التحتية ورصف الطرق. أما بالنسبة إلى المواد غير القابلة لإعادة التدوير، فيمكن تأهيل المقالع والكسارات بها للتعويض عن الأضرار الناجمة عن الاستخراج طوال العقود الماضية، وهو ما يعزّز فرص استعادة النظام البيئي.

مخلفات البناء والهدم ومخاطرها

تشمل نفايات البناء والهدم المواد المكوّنة من الحطام الناتج من الأنشطة المتعلّقة ببناء وتجديد وهدم المباني، وهي مقسّمة إلى فئتين:
– النفايات الخاملة: المواد الصلبة الضخمة بشكل رئيسي والثابتة كيميائياً أو تلك التي لا تتحول كيميائياً أو بيولوجياً، كالبناء والخرسانة والإسمنت والبلاط والسيراميك والحجر والرمل…
– النفايات غير الخاملة: وهي النفايات النشطة كيميائياً أو بيولوجياً أو التي تطلق ملوّثات بمرور الوقت، كالخشب والجدران الجبسية والمعادن والبلاستيك والزجاج والإسفلت…
يمكن أن تحتوي كلتا الفئتين على مواد خطرة، مثل الطلاء والأسبستوس والمعادن الثقيلة والذخائر غير المنفجرة والأحماض والنفايات الإلكترونية وغيرها من المواد غير المعروفة والتي تشكّل خطراً صحياً على المستويين الفردي والعام. ولعلّ أخطر ما في هذه المواد الأسبستوس، وهي مادة مسرطنة موجودة في الأنابيب القديمة تحديداً يمكن أن تنتشر في الهواء كجزيئيات دقيقة، ما يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي الحادة وزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان. كما يمكن أن يتسرب الليثيوم الناتج من بطاريات الطاقة الشمسية في حالة سوء التعامل معه إلى التربة والمياه الجوفية، ما يؤدي إلى مجموعة متنوعة من الأمراض الخطيرة بما في ذلك على الصحة الإنجابية. ويمكن أن تسبب المعادن الثقيلة الموجودة في الطلاء والأجهزة الإلكترونية والذخيرة سمّية عصبية وتلفاً للأعضاء لدى البشر في حال التعرض لها. كما يمكن لقذائف الفوسفور الأبيض أن تسبّب حروقاً ومشكلات في الجهاز التنفسي، وحتى الموت، عند التعرض لها.