أصل الحكاية.. عنوانها القرضاوي!

| جورج علم |

أعلنت السلطات الإماراتيّة عن تسلّمها المتهم عبد الرحمن القرضاوي من السلطات اللبنانيّة “بعد تورّطه في أعمال من شأنها إثارة وتكدير الأمن العام”.

حرص الرئيس نجيب مبقاتي على إقفال هذا الملف قبل وصول الرئيس جوزاف عون إلى بعبدا.

مآخذ كثيرة سجّلت في خانة هذا الإجراء، وانطوت على اتهامات تنال من شفافيّة بعض المرجعيات اللبنانيّة المعنيّة بهذا الملف.

قطعاً، ليست معايير الشفافيّة هي موضوع الاهتمام، خصوصاً في ظلّ الافتقار إلى المعلومات المدقّقة، لكن ما حصل يفضي إلى أمرين متلازمين:

الأول ـ إن العلاقات اللبنانيّة ـ الإماراتيّة حُقنت بجرعة من المقويّات، قد تفضي إلى إطلاق بعض اللبنانييّن المعتقلين.

الثاني ـ هناك رغبة لأن تلعب أبو ظبي دوراً داعماً للبنان، موازيّاً للخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة، بعد انتهاء زمن الشغور والفراغ.

اتصال التهنئة الذي أجراه رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس عون كان واعداً، وبات متاحاً لبعض رجال الأعمال الإماراتيّين العودة إلى لبنان، ولو الحذرة، والمشاركة في مسيرة النهوض، لما في ذلك من مردود إيجابي، فضلاً عن الإعتقاد الراسخ بأن أبو ظبي لا يمكن أن تبقى في موقع “النأي بالنفس” عمّا يجري مع إنطلاقة عهد جديد، فيما تتصدّر المملكة العربيّة السعوديّة وقطر ومصر واجهة الاهتمام بشؤون لبنان.

ليس من منافسة على الدور، والحضور، بل على احتلال موقع مؤثر وسط التوازنات الجديدة التي تنتجها المتغيّرات الداهمة في الشرق الأوسط.

في لبنان: ولّى زمن الفراغ. تمكّنت الخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة من قطع رأسه، وحمل مجلس النواب على انتخاب رئيس للجمهوريّة، والانطلاق نحو إعادة بناء المؤسسات.

في سوريا: سقط نظام “القبضة الحديديّة”، وبدأ نظام “القبضة الإسلاميّة الأصوليّة”، مع نفوذ إسرائيلي لافت، ويتوسّع، إلى جانب نفوذ تركي، وحضور أميركي يهوّل من عودة فزّاعة “داعش”.

في إيران: قلق وإرتياب من اليوم التالي، بعد أن يأخذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مكانه في البيت الأبيض، وفي ظلّ نشاط غير مسبوق للجائحة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة التي تمعن في تفتيت وحدة الساحات في الإقليم، وانتهاك حرمة الخصوصيات في الداخل، وكأن الترتيبات العملانيّة قد بدأت للقيام بعمليّة جراحيّة معقدة يصعب معها التكهن بالنتائج والتداعيات.

وأمام العصف الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يضرب جغرافيات حسّاسة في الشرق الأوسط، ويمعن فيها تغييراً وترسيماً لهندسات جديدة، لا يمكن للطمأنينة أن تجد لها مكاناً على وسادة الخليج الوثيرة، المتكئة فوق تضاريس تضربها رياح المفاجآت من كل حدب وصوب.

ووسط هذه الأنواء، تمكّنت أبو ظبي من أن تلعب دوراً متمايزاً عن الدور السعودي، أو القطري، في العديد من الساحات، سواء في اليمن، أو في العراق، أو في سوريا، أو في العديد من الساحات العربيّة المشتعلة.

حيال لبنان، هناك كلام آخر. هناك عباءة خماسيّة اضطر لبنان أن يكتسي بها ليستّر عريّه، ويحمي ما تبقى من الكيان، ووحدة الأرض، والشعب، والمؤسسات، بعدما أصبح الجنوب مكشوفاً مباحاً مستباحاً، والبقاع أيضاً، وأيضاً المصير.

ليس في عباءة الخماسيّة من قطبة إماراتيّة واحدة، ربما هناك حياكة سعوديّة، مصريّة، قطريّة، لكن ليس لأبوظبي أيّ خيط، أو نول، أو رسم ألوان. جاء آموس هوكشتاين في زيارة وداعيّة . سمّى الرئيس. رسم إستراتيجيّة الإعمار في الجنوب، والضاحيّة، والبقاع، وضع دفتر الشروط، تحدث عن “هولدنغ” مالي خليجي صافي المصدر، “معقّم” من “فيروسات الممانعة”. تغيّر مزاج “الثنائي الشيعي”. زار قائد الجيش في اليرزة، ليعود فينتخبه رئيساً في بعبدا. تحدث خطاب القسم عن السلاح، والإستراتيجيّة الدفاعيّة، ومرجعيّة الدولة، والإمساك بملف وقف إطلاق النار، وملف القرار 1701، وملف نشر السيادة الوطنيّة في الجنوب، وملف إعادة الإعمار، وسط تصفيق من النواب الـ99 بمن فيهم نواب “الثنائي” الممانع.

“الهولدنغ” المالي الذي تدعمه فرنسا، وتحميه الولايات المتحدة، وتراقبه تل أبيب، وتموّله دول مساهمة مقتدرة شاركت في المؤتمرات الماليّة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون تباعاً، وفي أكثر من مرّة، ومن مناسبة، لدعم لبنان. كانت دولة الإمارات شريكة مشاركة، ومساهمة.

حدث بعض التغيير، بعد زيارة هوكشتاين الأخيرة. الشروط التي وضعها لإطلاق ورشة الإعمار، جاءت متطابقة مع المواصفات الخليجية حيال لبنان، وراهناً حيال سوريا، الأمر الذي فتح نقاشاً هادئاً مع الولايات المتحدة، وتحديداً مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، حول قيام “هولدنغ” مالي خليجي لدعم النهايات التي يفترض أن ينتهي إليها تنفيذ وقف إطلاق النار، وتطبيق القرار 1701، وإطلاق ورشة الإعمار.

وإذا سارت الأمور كما يرسم لها لأن تكون، بعد العشرين من الجاري، موعد جلوس ترامب وراء مكتب القرار في البيت الأبيض، فذلك يعني إمساك “البطيخات الثلاث” بيد أميركيّة واحدة: إبعاد الدور الفرنسي عن ورشة الإعمار. تعزيز علاقات الشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي. وتوفير فرص أفضل بضم أعضاء جدد إلى حاضنة “التحالف الإبراهيمي”.

يقول دبلوماسي عربي عضو في “الخماسيّة”، ومطّلع على ملف تسليم عبد الرحمن القرضاوي إلى دولة الإمارات: “لقد فُتح الباب رسميّاً وعمليّاً أمام أبو ظبي للمساهمة في دور بناء، والمشاركة الفعّالة في أي “هولدنغ” خليجي ـ في حال التوافق بشأنه – لتمويل ورشة إعمار أكثر من 250 ألف وحدة سكنيّة، وفق أحكام الشروط الأميركيّة … وإستطراداً الإسرائيليّة.