/ مرسال الترس /
منذ انكفأ المال السياسي عن خوض الإنتخابات النيابية، عادت الروح إلى العائلات السياسية التي شكّلت على مدى العقود الماضية ضمانة لناخبيها ومؤيديها ومناصريها، مهما تنوعت الانتقادات حول هذه المسألة الجوهرية.
فعندما وصل الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى السلطة في العام 1992، ممهداً لذلك قبل سنوات في رفد الواقع اللبناني بأساليب مختلفة بين دعم الميليشيات في الحرب وصولاً إلى تكوين جيش طلابي من خلال دعم تعليمهم الجامعي، عمل على تحجيم القيادات السنية من الشمال إلى الجنوب مروراً بالعاصمة، فتقزّمت أدوار عائلات عدة: من آل الصلح وسلام (على سبيل المثال في بيروت والجنوب، وآل المرعبي والعثمان في عكار، وآل كرامي في عاصمة الشمال والضنية. فيما ظهرت إلى جانبه قوى مالية سعت للعب الدور نفسه، ولكن بأحجام محدودة.
وما إن بدأ أفول نجم وريثه الرئيس سعد الحريري في العام 2017، لم يتح لتلك القوى الرديفة أن تأخذ قصب السباق منه. ولذلك حين أطلّت انتخابات العام 2022، وأعلن الحريري الابن تعليق عمله السياسي والانتخابي، تبعه الآخرون فوراً، بدءاً بالرئيس تمام سلام مروراً بالرئيس نجيب ميقاتي وصولاً إلى الرئيس فؤاد السنيورة. وكان قد سبقهم الوزير محمد الصفدي لأسباب مختلفة، في حين فشل رجل الأعمال فؤاد مخزومي حتى في تغطية جزء من الفراغ.
لذلك، عاد الناس، الذين خنقتهم الأزمات المالية والمعيشية، بإتجاه العائلات التقليدية في أكثر من منطقة على الخريطة اللبنانية، لما مثّلته من وجدان الناس في مراحل سابقة، وعجز المال السياسي والأحزاب والتيارات في محوه.
من هذا المنطلق لاحظ المتابعون في أحدث استطلاعات للرأي في الدائرة الثانية في الشمال، أجراه رئيس مركز الإحصاء والدراسات الاستراتيجية الدكتور إيليا إيليا، التي تضم مناطق طرابلس (خمس نواب سنة ونائب واحد لكل من الطوائف المارونية والأرثوذكسية والعلوية) والمنية (نائب واحد سني) والضنية (نائبان سنيان)، أن اللائحة التي عمل النائب فيصل عمر كرامي على تأليفها مع النائب جهاد الصمد في الضنية تحت مسمى “الإرادة الشعبية”، ستتمكن من حصد أربعة مقاعد في هذه الدائرة، ثلاثة في طرابلس عبر نائبين سنيين هما فيصل كرامي ومرشح الأحباش طه ناجي ومرشح أرثوذكسي عن تيار “المردة” هو رفلي دياب، ومقعد في الضنية يفوز به جهاد الصمد. وتتقدّم بذلك على اللوائح الإحدى عشرة الأخرى التي تخوض الإنتخابات.
الحصة الثانية في هذا الاستطلاع، ذهبت إلى لائحة “للناس” التي شكّلها الرئيس نجيب ميقاتي بالتحالف مع كريم كبارة، وبثلاثة مقاعد، سني واحد للمرشح كريم كباره نجل النائب الحالي محمد كباره، المقعد الثاني للمرشح العلوي النائب علي درويش، والمقعد الثالث من المنية عبر المرشح النائب السابق كاظم الخير، في حين أن اللائحة تقترب من الفوز بالمقعد الماروني عبر سليمان عبيد نجل النائب الراحل جان عبيد.
أما الحصة الثالثة فستكون للائحة “لبنان لنا”، وسيكون لها مقعدان سنيان الأول في طرابلس مع النائب السابق مصطفى علوش، والثاني في الضنية مع النائب سامي فتفت اللذين استقالا من تيار “المستقبل”.
في حين أن الحصة الرابعة ستكون ربما للائحة “انقاذ وطن” عبر نائب سني هو الوزير السابق اشرف ريفي.
أما في دائرة الأرقام فيتوقع الاستبيان تراجع حجم الحاصل الإنتخابي في الدائرة إلى 10285، بعدما كان في 2018 11393 نظراً لإعتكاف مجموعة كبيرة من الناخبين عن الإقتراع.
فهل ستصدق تقديرات الاحصاءات المشار إليها وسوابقها تدل على ذلك، أم أن الرياح الخليجية التي بدأت تهز الأوراق اللبنانية ستكون فاعلة أكثر، وتستطيع دفع ناعورة الاصوات بعكس ما تشتهي العائلات السياسية في لبنان؟ سؤال لن يطول الجواب عليه، طالما ان العد العكسي للإنتخابات النيابية قد بدأ بتعداد أيام شهره الأخير.