| راجانا حمية |
فيما كان وزير الصحة فراس أبيض يعرض أمس تقريراً مفصّلاً عن الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع الصحي، سقط ثمانية مسعفين شهداء في الجنوب من دون أن تتمكّن فرق الإنقاذ من سحب جثامينهم بسبب منع طائرات الاحتلال لهم. ثمانية شهداء أُلحقوا على هامش التقرير، وبعدهم سيضاف آخرون في ظل استمرار الحرب الوحشية التي يشنّها العدو على كامل البلاد.
لم يكن عرض وزارة الصحّة أمس فقط لتحديد عدد مرات الاستهداف، بقدر ما هو توثيق للجرائم التي ارتكبها ويرتكبها العدو عمداً وبشكلٍ مباشر في القطاع، والتي تزداد وتيرتها يوماً بعد آخر. ففي مقارنة بين التقرير الأول عن الاعتداءات الذي أطلقته الوزارة في الثالث من الجاري والتقرير الحالي، يبدو أن العدو الإسرائيلي اتّخذ قراراً عن سابق تصوّر وتصميم بتدمير القطاع الطبي بطريقة ممنهجة. فبين التقريرين الأول والثاني، ازدادت الاستهدافات في القطاع من 9 اعتداءات على تسعة مستشفيات وتدمير 45 مركزاً إسعافياً إلى 55 اعتداء طاولت 36 مستشفى (11 حكومياً و24 خاصاً) وتدمير 25 مركزاً للرعاية الصحية الأولية و51 مركزاً إسعافياً. فيما ارتفع عدد الشهداء في المستشفيات من 3 شهداء و11 جريحاً إلى 12 شهيداً و60 جريحاً. وفي الهيئات الإسعافية، من 97 شهيداً و188 جريحاً إلى 151 شهيداً و212 جريحاً.
وفي تفاصيل التقرير، تعرّضت 36 مستشفى لـ55 اعتداء، إما بشكلٍ مباشر أو بشكلٍ غير مباشر عبر استهداف محيطها. وكان من تبعات تلك الاستهدافات إخراج 8 مستشفيات من الخدمة بشكلٍ كامل، واقتصار 7 مستشفيات على العمل جزئياً مع خروج أقسامٍ فيها من الخدمة. ونالت مستشفيات الجنوب الحصة الكبرى من الاعتداءات التي طاولت 16 مستشفى بمعّدل 29 مرّة. وكانت لمستشفى تبنين الحكومي حصة الأسد، مع تعرّضه لثمانية اعتداءات، يليه اللبناني الإيطالي وراغب حرب (3 مرات) ومستشفيات صلاح غندور وخروبي (مرتان). ومن بعدها تأتي بيروت والبقاع بالتوازي مع استهداف 10 مستشفيات في كلٍّ منهما.
أما بالنسبة إلى مراكز الرعاية، فقد تسبب 25 اعتداءً في إقفال 58 مركزاً بشكلٍ كامل إما بسبب تدميرها أو إخراجها من الخدمة، وكانت الحصة الكبرى في النبطية التي ردم الاحتلال فيها 14 مركزاً و5 مراكز أخرى في الجنوب و5 في جبل لبنان ومركزاً واحداً في بعلبك الهرمل.
وتعرّضت الهيئات الإسعافية لـ 201 اعتداء، وبدا واضحاً التركيز على جمعيتين بالذات، هما كشافة الرسالة الإسلامية (99 اعتداء) والهيئة الصحية الإسلامية (95)، ما أدى إلى استشهاد 151 مسعفاً وجرح 212.
لن تكون هذه اللائحة هي آخر الحسابات مع العدو الصهيوني، فمع استمرار الحرب على لبنان سيكمل العدو حربه على المؤسسات الصحية التي باتت أكثر فجاجة مع الانتقال من استهداف محيط هذه المؤسسات إلى استهدافها بشكلٍ مباشر، وهو «ما يُعدّ جريمة حربٍ تخالف كل المواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية التي تنصّ على حماية العاملين الصحيين والمنشآت الطبية في أوقات النزاع»، بحسب وزير الصحة. ولأنها جريمة «موصوفة ومقصودة ومتعمّدة»، تستعدّ وزارة الصحة اللبنانية من خلال هذه التقارير الموثّقة إلى إعداد ملفاتها القانونية والتقدم بشكاوى ودعاوى قانونية «ليس لردع إسرائيل التي لا ضمير لها وإنما لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته».
ومسؤولية المجتمع الدولي متشعّبة. فبحسب المنسّق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية الدكتور كامل مهنا، يفترض أن تكون هذه المسؤولية في اتجاهين: «العمل على وقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان وغزة من جهة والتدخل الفوري لدعم النظام المتداعي، إذ إن توفير المساعدات العاجلة من أدوية ومستلزمات طبية، والمساندة في إقامة مستشفيات ميدانية محمية أصبحا ضرورتين ملحتين لضمان استمرارية تقديم الرعاية الصحية للمدنيين الذين يواجهون الجرائم الاسرائيلية كل يوم». والمسؤولية الثانية تقع على عاتق «أصدقاء لبنان الذين لم يبخل معهم الأخير والذي قدّم الكثير عبر أبنائه ويستحق منهم اليوم الوقوف إلى جانبه وإطلاق أوسع حملة تضامن معه»، وعلى المغتربين أيضاً «من أجل تقديم الدعم المالي والعيني للبنان في مواجهة الكارثة التي يتعرّض لها».
أما الجزء الآخر من المطالبات، فهو للحكومة اللبنانية المدعوّة إلى «رفع دعوى جريمة حرب في التعرض للمدنيين والمؤسسات الصحية والإسعافية والدفاع المدني أمام المحاكم الدولية ولجنة حقوق الإنسان»، إذ إن «عدم مساءلة إسرائيل عن أفعالها هو بمثابة منحها الضوء الأخضر لرفع الحماية عن القطاع الصحي عالمياً وإنهاء شرعة حقوق الإنسان وإقامة شريعة الغاب».
لكن، يبدو حتى الآن أن لا أحد يريد ردع إسرائيل أو مساعدة لبنان، بدليل «الحصار الذي تتعرض له البلاد». فحتى اللحظة الراهنة «ما نحتاج إليه يفوق بكثير ما يأتينا عبر المساعدات». وما يزيد الطين بلّة هو العجز الاقتصادي اليوم المعطوف على واقعٍ سياسي، إذ «لا رئيس جمهورية ولا حكومة أصيلة وإنما حكومة تصريف أعمال»، وما بينهما من حرب مستمرّة منذ عامٍ تقريباً ونزوح مليون و200 ألف مواطن دفعة واحدة نحو أماكن محدودة مع استهداف العدو غالبية المناطق. وهذه تجربة تختلف في العمق عما كانت عليه الحرب في عام 2006 سواء في المدة الزمنية أو في مبدأ المناطق الآمنة أو في «لهفة» العالم لمساعدة لبنان، لافتاً إلى انحسار المساعدات والتقديمات بـ15% فقط من الاحتياجات!